التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جنون الحُكماء



النجاح في مجال مُعيّن يتطلّب مستوى عال من التركيز المُستمر، متواصلة وجهد بدني ونفسي، وهذا قبل أن يكون النّاجح موهوباً، فالموهبة دون صقل تبقى حَبيسة عند صاحبها.
الموهوب والعَبقري في مجاله، له مُتنفّس وعادات غريبة، وسلوك يختلف جذرياً عن عادات وسلوكيات الآخرين، مما يضعه في خانة المَجنون! وقد يعاني العبقريُّ من نسبة من الجنون فعلاً، مثل الغباء الكبير، الذكاء الخارق يشكّل ”خللا“ في سلوك ما، اجتماعي أو فردي، نظراً لإهمال الفرد لا إرادياً لبعض الأعراف أو العادات أو السلوكيات ”العادية“.
في هذا المقال سأكشف عن بعض العادات المجنونة، والأخرى المُخزية، لبعض الفلاسفة المَشهورين، والتي كانت سبباً مباشراً أو غير مباشر في ”ابتعاد الناس عنهم، أو ابتعادهم عن الناس“!
ديوجينوس كان ابن رجل ثري ومختلس في نفس الوقت، ما جعله يرحل عن تلك المدينة ويقرر ان يعيش حياة الزّهد، معظمها في الشارع وهو عارٍ تماما، عُرف عنه الحكمة، في يوم من الأيام قدم إليه الإسكندر الأعظم، وعندما طلب منه أي شيء ليحققه له، لأنه كان معجباً به، قال له: ”فقط ابتعد قليلا لأنك تحجب عني ضوء الشمس“، فقال الإسكندر:”لو لم أكن الإسكندر لتمنيت أن أكون ديوجينوس“.
كان ديوجين يقضي حاجته في الشارع أمام الناس، وكان يتبوّل على الأشخاص الذين لا يحبّهم! ومع ذلك، كان يأتي إليه الناس ليدرسوا عنده.
طلب النبلاء من سقراط عند محاكمته، ما هي أعدل الأحكام في حقه، بما أنه قد أحدث الفتنة في قومه! فقال لهم:” أن يتم توظيفي في الحكومة الآثنيّة!“ ما أثار غضبهم.
كان إماونيل كانط معادي للبيرة على عكس معظم الألمان، لدرجة أنه كان يطلب من أقرباء كل مريض أو ميّت، إن كان قد شرب البيرة قبل هذا!
كان ينهض كل صباح على الخامسة، يشرب كوبين من الشاي ويدخن سيجارته الوحيدة، ويدوّن إلى غاية الثامنة صباحاً، ثم يذهب ليدرّس الى غاية الحادية عشر، كان يدعو صديقين أو ثلاثة بين الواحدة والثانية زوالا للأكل والحديث، بعدها يخرج للتنزه ويقوم بالتنفس من أنفه فقط!  وينام على العاشرة ليلاً، يُقال أنه لم يغادر مدينتن قطّ ”كولينزبرغ“، حتى أن الناس نظّموا ساعاتهم على وقت مروره، وأسموا حيّاً هناك باسم ”ذهاب الفيلسوف“.. وهذا طول حياته.
سبينوزا كان كثير التفكير والكتابة، فكانت وسيلة الراحة والمرح بالنسبة له هو إعداد ”معركة بين العناكب“، أو أن يضع بعضاً من البعوض في شبكة العناكب، ويبقى ينظر إليها مستمتعاً بذلك الصّراع.
إبكتيتوس كان يبقى ساكناً متجمّداً عندما كان يضربه سيّده في قدمه حتى يكسرها! لكن هذا ليس أغرب ما في الرواقيين، لأن قصّة موت سينيكا أعجب بكثير، كان الإمبراطور نيرون تلميذا لذى سينيكا، وعندما أصبح إمبراطوراً.. يمكننا القول أنه أصبح مجنوناً، حيث أنه حكم على سينيكا بأن يموت منتحراً، وافق سينيكا، فقام بضرب عروق معصمه بالسّكين، ولكن الأمر لم يجدي، فراح يضرب عروق كاحله، ولكن العملية لم تكفي، فطلب سينيكا بان يحظروا له سمّا، فلم يكفي ذلك، فطلب بوضعه في حوض ماء لكي يسرّع من دورته الدموية، فلم يكفي ذلك، فطلب أن يأخذوه إلى غرفة ساخنة مثل ”السونا“.. إلى أن مات.
شوبنهاور، ورّث كل ما يملك لـكلبه، ليس هذا فقط، شوبنهار كان يكره الناس.. لكن بالأخص الفرنسيين، حيث قال” العالم له القرود ..وأوروبا لها فرنسا“.
كتب روسو في اعترافاته أنّه كان يُحبّ تلك المرات التي كان يُضرب فيها من خلفيّته من مربّيته، إلى درجة أنها لم تعد تضربه بل أصبحت تحجزه في غرفته فحسب!.. الأمر الذي كان يضحك فولتير بشدّة، ويذكرها في كل مرة يريد أن يسخر منه!
طاليس كان يهتم بالفضاء والكواكب كثيراً، لدرجة أنه في يوم من الأيام سقط من مكان عال لأن رأسه كان دائماً نحو السماء!
كان الفيلسوف الدنماركي كيكرغارد يحاور نفسه! حيث يرسل برسالة باسمه ويرد باسم مستعار.
من أغبى ما كتبه أرسطو هو أن.. المرأة خطأ طبيعي، أي أن الطبيعي أن يولد الإنسان ذكراً، لكن لإعاقة ما، يصبح امرأة.
نعم.. للحكماء جنونهم، وللمجانين طفرات حكيمة!


Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...