📌 ثالثُ بُعدٍ..عن البُعدِ الثالث!
تقليدُ عالم الفكر أوّل ابتعاد عن الواقع، فالمُثل لا يمكن تجسيدها، الفكر أعلى بكثير من التجسيد والتعبير، فهو يتجاوز اللغة، ويتجاوز حدود القدرات الإنسانية، فعلى الإنسان معرفة العالمين! هكذا وَسَمَ أفلاطون أوّل قواعده في الامتناع عن ”فن نسخ الطبيعة“.
ثاني ابتعاد ”مُحرّم“ بين الإنسان والطبيعة هو إعادة تشكيل الطبيعة! فكيف يكون ذلك ولمَ خالفه آرسطو في هذا؟
يرى أفلاطون أن الفنون بكل أشكالها بما في ذلك التدوين والأرشفة أمرٌ مخالف للطبيعة، ومحاولة بائسة لتقليدها، فالطبيعة في ذاتها لم تُحسن تقليد عالم الفكر ”المُثُل“، ومن أجل ذلك، فإن الحياة الحقيقة ليست ها هُنا! لأن هذا العالم غيرُ مُتكاملٍ.
فقد تمّ تشويهُ المُثل والابتعاد عنه مرّتين، الأوّل هو في عدم استكمال المثالية التي تؤرّق عقل البشر، ثم محاولة تقليد أو استنساخ ما هو ليس بكامِل في عالم الأبعاد الثلاثة!.. فما هو الابتعاد الثالث الذي كان ليضيفه أفلاطون؟
اليوم نعيش تقليدَ المُقلّد، فقد شاعَ بين معتادي مواقع التواصل ما يسمّى بـ”العمليات التجميلية“ وأخرى ”برامج تعديل الصّور“، فقد أصبح تقليد المُقلّد هوساً يضرب الناس، استنساخ الأفكار، ثم طُرق عيش الأفراد، ثم تقليد شكل هؤلاء الأفراد حرفياً!
قد يكون هذا تطوراً منطقيا لسلسلة التقليدات التي مقتها أفلاطون في مهدها، وقد استشرف دراية أنه ستطرأ عليها تشويهات أكثر مما هي مشوهة في الأساس!
فإن تتابع التقليد والتكرير، يُفقد المادّة الأولى قيمتها، ويغيّر وجهها الأول، وأكثر من ذلك، قد يُعطي صورة مشوّهة عنها!
فقد أحدثَ الإنسانُ في نفسه، ما أحدثهُ في الفن والأدب، بعد أن كان التشكيل تقليداً للطبيعة وتصويراً لها، انتقل إلى فن مُعاصر لا يُعبّر عن شيء سوى تشوّهات لا وعي رسّامه، أما عن الأدب، فقد انتقل إلى تتابع كلمات وفقرات غير واضحة المعنى، ولا مقصد لها، ولا تدرس الواقع إلا بشحّ شحيح وبشكل غير علمي.
لكن آرسطو، خالف معلمّه في نظرته للفن، وقد بارك التأريخ والتوثيق والحفظ، مؤكداً أنه أمرٌ يحفظ الطبيعة والتاريخ والتعاليم من الضياع، دون أن يلقي بالاً للتشوهّات التي قد تحدث، لأنّه لا يؤمن بالانطواء الأفلاطوني على المثالية.
Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق