الجمعة، 5 يناير 2024

نظرية الزعبوبية! خزناجي نواري



نظريّة الزّعبوبيّة، 
عندما لا تعبّر التسمية الساخرة على محتواها الجاد.
مقال الكاتب عماد الدين زناف

"محليا.. بلد محدود، دوليا.. هي البلد الموعود"
لا أعرف الكثير من الأمور عن الحياة الشخصية للمحلل نواري خزناجي، كل ما أعرفه هو ما عرّف به عن نفسه، ابن حي la glacière بالعاصمة، موظف سابق في منصب جيّد في الوزارة في فترة الناصر، أخ الرئيس الراحل بوتفليقة، وكذا مُقيم في فرنسا منذ سنوات.  في الحقيقة لا تعنينا حياة الأستاذ نوّاري الخاصّة، لكن لا يُمكننا الانطلاق مباشرة في الحديث عن أفكار الشخص دون معرفته ولو معرفة سطحيّة.
منذ أكثر من سنتين، انطلق الأستاذ نواري في نشر تحليلاته السياسيّة التي تستند على عدّة طوابع خاصّة يتميّز بها، والتميّز هنا بالمعنى الاصطلاحي، وليس في محل المدح أو الذّم. أولا، عكس غالبية المحللين المقيمين خارج الجزائر، هو لا يسعى لهزّ استقرار الوطن وليس له مصلحة مع أيّ كان داخل الوطن، ثانيا، لا يعتمد على تسريب أو مصدر، كل ما يقوله يعتمد على التخمين والاستشراف السياسي انطلاقا من معطيات غير بادية للعامة، أو غير مفهومة، أو يراها الكثيرون غير مهمّة. ثالثا، يتميّز بحديثه في كل المواضيع، دون انحياز واضح، ودون مراعاة من لهم عصبيّة وعاطفة في ذلك الموضوع.  سبب حديثي عن الأستاذ خزناجي يأتي لسببين، الأول هو متابعتي الطويلة له، أي لدي ما يكفي من المادة لمعرفة أفكاره، وثانيا لأنه من المهم أن نسلّط الضوء على الجزائريين الذين لا يسعون للبهرجة والضوضاء، بعيدًا عما كنا نتفق معهم أو لا. 
الآن وبعد أن وضعنا الأدوات العامة، سأنطلق في تلخيص العديد من النقاط التي تحدّث عنها سواءً حول الجزائر، في جانبها  المحلي والدولي، وعن السياسة بشكل عام والجيوسياسة والمستقبل الذي ينتظرنا، وكما يقول أحدهم.. 

🔺 "أيّـا شد روحك مليح".

من أين أنطلق؟ بصراحة الحديث عن التفاصيل لن يُجدي، إذ أن هناك فرق بين المعلومة التي تتغير بشكل آني، وبين السياسة الدولية التي تُطبخ لمئة سنة، البَوْنُ شاسع بينهما، ولكن الناس تعتقد أن المعلومة والبروتوكلات هي السياسة، والحقيقة أن كل ما يُقال ليس سوى إعلام، أما السياسة فلا يُمكن التعبير عنها بالحديث، إنما بالفعل. 

الجزائر كنظام ودورها الدولي، الجزائر والشأن العام الداخلي.

تسيير شؤون الجزائر ينقسم إلى اثنان، الشأن العالم، وهو تسيير الأمور التي تتعلق باهتمامات وحاجيات ومتطلبات المواطن، وهو الجانب الأكثر سوءًا في الوطن، بعيدًا عن عبقرية الدور الدولي بسنوات ضوئية، يقول المحلل، إذ أن هناك عدم احترافية كبيرة تقبع فيها الجزائر منذ سنوات طويلة، والتي ترتكز أسبابها بشكل عام في عقلية الجزائري، ثم في عقلية المسؤول التي يتقاسمها مع كامل العالم الإسلامي: محسوبيات وكسل ورغبة في الخلود. والشأن الدولي، والذي يضع النظام الجزائري كواحدٍ من عمالقة السياسة، وعضو مؤثر ومساهم بشكل مباشر في النظام الدولي، وهذا من قرون خلت، وإن ركّز خزناجي على الثورة الجزائرية وقراءة محركيها للوضع الدولي بشكل عظيم، فإنه بإمكاننا الحديث عن مشاركة الجزائر في النُظُم الدولية في كل عصر، خاصة ما بين القرن الخامس عشر والقرن الثامن عشر، في عهد إيالة الجزائر. الجزائر تُحسن تدبير صالحها الدولي، وإن كنا نعاني في كل مرة من انتهاء هذا الدور والانتقال في مساهمات لنُظُم دولية جديدة، كما حدث في العشرية السوداء تماما مع سقول القطب السوفييتي وتفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم. 

في إطار لعب الدور الدولي.. تأتي نظرية الزعبوبية.

ما هي نظرية الزعبوبية؟ -القصد بالزعبوبية هو "المراوغة"، وكأننا نقول "نظرية الغُميضة"، أي الوصول إلى تحقيق إنجاز كبير جدا في إطار لعب دورٍ سيّء تارة، دور الضعيف تارة أخرى، دور البعبع، دور الأعمى، ودور المعاق ذهنيا.. أن تتجاوز محاولات دول لمصالح لضرب استقرارك وتلعب دور "شاهد ما شفش حاجة"، لأن تآمرها في ذاته يخدم مصلحتك، مثال، تآمر النظام السعودي على الجزائر في تونس، استفادت منه الجزائر لإخراج أعباء ومصاريف تونس منها ودفعها للسعودية لتقوم بدور الأب، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تحرر تونس من الاتحاد الأوربي والاعتماد على المال السعودي يخدم مصلحة النظام الدولي الجديد الذي يتشكل على عدة أشياء، منها سقوط الاتحاد الأوروبي. وتركز في الآن ذاته على دول أخرى، لأن تآمرها لا يخدم الدور الدولي للجزائر، مثل الإمارات، التي تلعب دور الوكيل الأمريكي والصهـ يوني، ومن أهداف النظام الدولي الجديد الذي يتشكل هو إسقاط الوكلاء بشكل كامل (أغلبها دول الخليج والأردن).  لكن سيُقال، ولمَ كل هذا؟ القضية كلها متعلقة بالصين الشعبية.

نظريّة الزعبوبية لـ إسقاط الصين في الجزائر.. بكونترول محرز.

باختصار، الصين ستنجر عاجلا أم آجلا لاقـ تحام تايوان عسكريًا وضمّها له بشكل كامل، هذه العملية ستُعرّض الصين لعقوبات دولية، العقوبات هي التضييق عليها اقتصاديا ومحاولة حصرها جغرافيا في هذا الجانب، لكننا نعلم أن العالم بحاجة ماسة للتكنولوجيا الصينية، وبالتالي فإن النظام الدولي الجديد سيترك للصين ثغرة لتسقط فيها.

 ما السقوط؟

 السقوط الاقتصادي هو أن تحمل تلك الدولة "قشها الاستثماري الضخم" وتعيد توزيعه على دول جديدة لم تكن قد استثمرت فيها من قبل، أي دول تسمح للصين بالسقوط في أرضها وإعادة الانتعاش الاقتصادي لها.  الصين تعلم هذا مسبقا، بريطانيا تعلم هذا، الدول العظمى والجزائر معهم يعلمون هذا، اللعبة التي يعملون عليها، كلٌ حسب مصلحته، هي المكان الاستراتيجي الذي ستسقط فيه الصين.   قبل الحديث عن أنسب مكان تريده الصين، وعن أنسب مكان تريده بريطانيا والو م أ، يجب أن تتوفر عوامل وأحداث دولية تقرّب الصين من هذه الخطوة الكبيرة.

أولا، إدخال تركيا في أزمة للحد من تأثيرها في الخليج، الأمر الذي يسير ببطىء جديد لأن تركيا تعي هذا وتتجاوز المؤامرة في كل مرة، ثانيا وبعد اسقاط تركيا أخيرا، يبدأ دور إيران في زعزعة الخليج بشكل رسمي، والهدف كما قلت في السابق هو إسقاط الدول الوكلاء، وأول ضحية لهذا هي دُويلةُ الإمارات. 
وقد بدأت الزعزعة مع تحرك الفلسطـ نيين مؤخرا.  كل هذا سيحدث في إطار لعب الو م أ دور البلد الذي "لا يقدر على إيران"، ليعطي صورة مغالطة للصين على أنها يمكنها اقتحـ ام تايوان دون خوف من هذا البلد الذي "لم يعد شرطيا للعالم"، وكل شيء معلوم عند الجميع، لكن أغلبية الدول لا تستطيع لعب دور غير هذا الدور.

هناك دول تعارض بشدّة انتقال العالم إلى نظام دولي جديد، أين سنكون أمام حقيقة اختفاء العملة النقدية، الشيء الذي سيجعل سويسرا مثلا تسقط سقوطا حرا في الوحل، وعليه، تقوم هذه الدول، ومن بينها المغرب سويسرا الإمارات السعودية تكريا.. بالمقاومة والتآمر على كل من يدعم هذا المشروع بإحداث مشاكل له، لأن مصالحهم منوطة بالنظام الدولي الحالي. 

الآن بدأت تتضح الصورة، ولكي أغلق الدائرة، الصين تعمل حاليا على البحث، بل ومحاولة السقوط الجزئي في بعض المناطق في العالم، كضربة استباقية لتفادي أو التقليل من حجم العقوبات الدولية القادمة، لكنها أمام دور البعبع، بريطانيا والجزائر أكبر بلدان متحالفان في السر، فهما يمنعان الصين في كل مرة تريد فيها السقوط في بلد معين، وما حدث في مالي مؤخرا يكشف هذه الطريقة، مع تحديد أن الجزائر لا تقوم بإحداث فوضى في تلك البلدان، بل تسحب نفسها منها، وانسحاب الجزائر في العديد من دول إفريقيا يرفع الأمن عنها، وبالتالي يجعل الصين تفر منها وتبحث عن نقاط أخرى، كذلك تفعل بريطانيا والو م أ في أمريكا اللاتينية والخليج.. وكل هذا في سبيل سقوط الصين في الجزائر. 
سقوط الصين في الجزائر هو القرار الذي اتخذته الغرف المُظلمة.

الجزائر هو البلد المُختار، الأرض الموعودة 

 إذ أن هذا البلد هو الوحيد القادر على التحدث مع روسيا والصين وإيران من جهة، ومع بريطانيا والوم أ بكل أريحية ودون حرج، فهو صديق مصلحة للجميع، وهو نقطة تلاقي الخصوم، احتفظ بهذه الفكرة جيدا. 
الجزائر كذلك لديها أفضليات كبيرة، أولا، الجزائر دولة غير مديونة، أي أن سقوط الصين فيها لا يجعلها بلدا عبدًا للصين، وبالتالي سيستفيد من هذا كل دول الطوق الأوروبي والو م أ، كذلك الثروات التي تزخر بها الجزائر، المساحة الكبيرة، القرب الجغرافي من أوروبا، القوة العسكرية التي توفر أهم عامل من كل هذه العوامل، الأمن والاستقرار، إذ أن الجزائر مرشحة لتكون أأمن نقطة في العالم في ظل معارك ملتهبة في كل مكان. 

الآن فهمنا القضية "الزعبوبية"، بقي الحديث عن المغرب.

كان يطمح المغرب، عند جلبه للكيان، بتجسيد نظرية المغرب الكبير باقتحام الجزائر، لكن الذي حدث حقا هو أن الكيان لم يفر من فلسطين المحتلة ليدخل في منطقة حرب ثانية، فالكيان، النظام الذي سيسقط،  فر ليعيش في المغرب في رخاء. وبالتالي، فإن الضمانات التي حظيت بها الجزائر حول أمنها، جعلت من عملية دخول الكيان للمغرب هي "كونتر خُطّة" ضدّه، وعوض التوسع الذي كان يطمح إليه، بدأ يخسر أراضيه للمغاربة اليهو.د الذين عادوا ليسكنوا بيوت أجدادهم من سنوات الليوطي. 
للمغرب عديد المخازن وليس مخزنا واحدًا، مخزن خاص بالكيان، بفرنسا، بالامارات، بتركيا، بالو م أ.. وكلها تعمل للسيطرة على المغرب وقراراته، حتى إن للجزائر يدًا في مخزنٍ ما داخل القصر.  كانت قوة المغرب تكمن في عرقها الإفريقي الذي صنعته لها فرنسا، ومع القطيعة التي حدث لها مع هذه الأخيرة، لا نستطيع القول أنها فقدت هذا التأثير لأنه متجذر، ونحن نرى ذلك جليا في السياحة والرياضة والولاء، فهي لا تزال تسيطر على إفريقيا من هذا الجانب، كإرث فرنسي لها، والواضح أن عاجلا أم آجلا، ستعود المغرب لحضن فرنسا التي أسستها، بعد انتهاء دور الكيان فيها ويتم إطفاء تواجده بأي شكل من الأشكال.

في آخر المقال، نذكر أهم التحولات التي طرأت على العالم في نقاط قصيرة، لنعرف أين نتجه: 
نظرية الاختناق بكوروـنا ،ثم الاختناق بالطاقة، ثم الاختناق بالديون قبل الاختناق بالتكنولوجيا. 
هل يمكن الجزم أن هذا ما سيحدث؟  -الأمر متعلق بتوفر كل الظروف، وبمحافظة كل نظام في العالم على أداء دوره الدولي كما يجب، قد تحدث معيقات، قد تحدث مفاجئات، كل شيء معلوم عند الله، يقول المحلل –ونقول ذلك أيضا-
على الجزائر أن تحذر حذرًا شديدا من هذا الدور الكبير جدا، نحن أمام قضية تحتاج وعيا وصبرا كبيرين، وذلك بتخطي كل محاولات إضعاف الجزائر، ومن بينها وعلى رأسها.. تحسين الوضع العام الداخلي الكارثي الذي قد يكون سببا في إفشال جني عديد ثمار الجهود التي يقوم بها النظام دوليا. 
طبعا لا أستطع الحديث عن قضايا أخرى لكي لا يطول المقال أكثر، ولكي يستطيع كل شخص معرفة أهم الأفكار التي جاء بها المحلل، ومتابعته مباشرة لمواكبة "الجديد". يمكنكم الإشارة له ليصحح لي فكرة قد أكون أخطأت فهمها.  تابعوه في اليوتيوب في قناته (السبق قبل حدوثه للمحلل خزناجي نواري)  الذي أقترح  عليه أن يصغّره إلى (المحلل خزناجي نواري)

المقال 383
#عمادالدين_زناف
#استرجع_تراثك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق