الأحد، 28 يناير 2024

لا دخل لـ سايس بيكو


«لولا سايكس بيكو، لكُنا يدًا واحدة».. 
هي تُرّهات من لا يعرفون التاريخ..
مقالتي لإنهاء هذه الأسطورة.

«..وفي ليلة عقد اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916م، كان المسلمون دولة واحدةً من المحيط إلى الخليج يحكمهم خليفةٌ يحتكم بأمر الله و..» حسنًا سنتوقّف هنا، هذه الرواية الرومنسية لم تكن واقعًا يومًا.

البداية ⚡ قبل سايس بيكو.

لن أعود بكم إلى الزمن سريعا، تريثوا معي، سنعالج أولًا قضية «الثقافات» و«الدول»،فهل كان هذا المفهوم غريبا عن الدول الإسلامية أم هو أصل الطبيعة والواقع؟

🔹في أوروبا؛  -إن مفهوم الدولة القُطريّة {ذات الحدود المحروسة والعلم المميز والعملة المحلية} قد لازَمَ الدول الإسلامية في نفس الزمن الذي انبثق فيه هذا المفهوم في أوروبا، أي في مطلع القرن السابع عشر بالضبط. ما الذي حدث في ذلك القرن؟  -الذي حدث هو انشقاق الأنظمة وأصحاب النفوذ والنبلاء عن حكم الكنيسة الزماني والمكاني، أي بداية الخروج الرسمي من الفلسفة السياسية والجيوسياسية للقرون الوسطى، بعد حوالي قرنين من سقوط غرناطة واستعادة الغرب لكامل جنوب أوروبا، بما في ذلك صقلية. 
 وتفاديا للغوص في تفاصيل القرنين اللذان سبقا القرن السابع عشر، أقول في المجمل أن استقلال الأنظمة في أوروبا وتشكل الدولة المدنية حدث بشكل طبيعي، إذ أن شعوب شبه الجزيرة الأيبيرية يختلفون عن شعوب بلاد الغال، الذين يختلفون عن شعوب الجرمان، والساكسونيون يختلفون كل الاختلاف عن شعوب السلاف، الذين يختلفون عن شعوب الكازاخ وشعوب التتار، وصولا إلا شعوب العرب والفرس والهند والسند وبني الأصفر، وبالتالي فإن اختلاف الشعوب والقبائل هو في ذاته رسم للحدود بينها، قبل صناعة الحدود الحقيقية.  بعد ظهور معالم الدول الحديثة كفرنسا وبروسيا (ألمانيا) والنمسا والمجر وروسيا وبريطانيا والو.م.أ وغيرها، وبداية الحديث بشكل واضح عن دولة واضحة المعالم، لا تتداخل ثقافيا ولا فكريا ولا مذهبيا مع جيرانها، ظهرت خلافات حديثة بين دول شعوبها ذات أصل مشترك، فنقرأ عن الصراع الفرنسي البروسي على منطقة الألزاس، الصراع الفرنسي الايطالي على منطقة كورسيا، الصراع الأوكراني الروسي على أقليم القرم، الصراع التركي اليوناني على الجزر، الصراع البريطاني الفرنسي في مناطق النورماندي والشمال الغربي الفرنسي، ومن هذا بدأت كل دولة تهاجم الدولة الأخرى بذريعة التاريخ الإمبراطوري السابق لها، ونجلى هذا الصراع ووصل أوجّه مع نابليون بونابرت، الذي ذهب لأبعد من مجرد ضم مناطق حدودية، بل راح يحاول إعادة أمجاد زمن كان قد خلى، فالنظام الدولي في زمنه كان قد اختلف ولم تعد الشعوب «تبايع» الأقوى باسم الدين  والمذهب أو العرق أو القوة، بل تريد البقاء في دولتها لدولتها.
كذلك كانت محاولة هيتلر بنفس الفكر النابوليتاني، وقد علمنا أن النظام العالمي لم يعد يقبل بهذه المحاولات البدائية في اخضاع الشعوب، حتى أسفر ذلك التهور على موت أكثر من مئة وعشرين مليونا من التاس بلا أي داعٍ، فقد كان بالإمكان التحول مباشرة إلى صناعة هيئات أممية لضمان عصمة كل بلد وحرمة التعدي على بعضهم البعض، أي أن التطور المنطقي لتشكل الدولة الحديثة لم يكن مباغثا، بل أخذ مجرًا عُفيًّا مستندا على تاريخ الشعوب في أراضيهم، لكن الإنسان لا يعقل إلا بعد الخراب.

- في إفريقيا وآسيا-

نفس الرواية التاريخية التي قصصتها عن تاريخ تشكل الدولة في أوروبا، نجده في دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى غاية أقصى شرق آسيا.  إذا تحدث عن تشكل الدولة في الرقعة الاسلامية، فيجب أن أذكر القارئ مباشرةً أن أول دولة إسلامية (الأموية) لم يدم حكمها طويلا حتى استعادت عديد المناطق وااشعوب حكم أرضها بنفسها، في ثورات عديدة اشهرها ثورة البربر  في 740م في وادي الشلف، مع تشكل أول دولة مستقلة عن الأمويين في تيارت (الرستميين) في نفس الزمن قامت دولة في تلمسان (اليفريين)، وفيما كانوا يسمون «خوارجا»، في نظر التاريخ والطبيعة لم يكونوا شوى مسلمين مستقلين بحكم أرضهم.
فمنذ البداية كانت محاولة توحيد المسلمين تحت راية سياسة ملكية واحدة تعد ضربا من الخيال الفانتازي،فما من دولة إسلامية، وفي أقصى اتساع لها، نذكر منها الفاطمية التي انطلقت من الجزائر وباغت مصر فقط، والزيرية التي اكتفت بشمال إفريقيا دون المشرق، والايوبية التي اكتفت بسواحل المشرق دون المغرب، والأندلس الذي استقل مرتين، الأولى عن العباسيين، والثانية عن ذاته في دويلات الطوائف. ولنا علم أن بعد سقوط الدولة العباسية تفرع الحكم في الشرق الأوسط إلى ما يسمى العصر المملوكي، الذي كان عصر قيام الدول الصغيرة بامتياز، والذي لم يبلغ شمال إفريقيا، الذي نشأت فيها دول عديدة، الحمادية والأغلبية والزيانية والمرينية وقبل ذلك الموحدية والمرابطية. بل إن بعد سقوط غرناطة، وسقوط دولة المماليك على يد العثمانيين، نشأت دول أخرى لتخلف دولا سابقة، فكانت إيالة مصر وطرابلس وتونس والجزائر، بينما اختار المغرب الأقصى البقاء حليفا لاسبانيا والبرتغال. أما المشرق فقد انقسم بين قابل بالتواجد التركي وبين ثورات الحجازيين في نجد ضد تواجدهم، لكي يستقلوا عنهم.
ان مقهوم الدولة هو مفهوم ضارب في التاريخ، لذلك ما يسمى الروح الوطنية هو ليس صناعة غربية، ولا إسلامية، هو ليس ضناعة في الأصل، بل هو مثل الماء والهواء.

⚡ صبيحة سايكس بيكو.

في سنوات الـ 1900، كانت معظم الشعوب الاسلامية تنعم باستقلالية، في العراق كان هناك حكم ملكي، كذلك مصر وليبيا، في سوريا الحاكم لع تبعية شكلية لتركيا المتهالكة، الجزائر كانت دولة مستعمرة مما يسمونه الفرنجة، المغرب الأقصى كان مملكتين، فاس ومراكش بحدودهم، لم يكن المسلمين يسمون أنفسهم المسلمين، بل كانوا يسمون الجزائري والتونسي والمصري والشامي واليمني والحجاززي، بالله ليست تسميات غريية أبدًا.
قبل صبيحة سايس بيكو ب 3000 سنة، كان للفراغة حدود مع شعوب الليبو غربا، والليبو كانت لهم حدود مع قرطاجة، التي كانت لها حدود مع نوميديا. وكان لمصر الفرعونية حدود مع كنعان، وكنعان مع بابل، وبابل مع الآشوريين، ولاحقا كان للفينيقيين حدود مع الإغريق، وكلها حدود قبل سايس بيكو.

ما الذي قاما به مسخوطي الوالدين «سايس وبيكو» هذا؟

أولا، حدود سايس بيكو كانت تشمل الشرق الأوسط فقط، من المضحك ان يتحدث الشمال إفريقي عن تقسيم الغرب لهم باسم سايس بيكو، فالتقسيم الشمال إفريقي كان من 30 قرنًا وكل أناس عرفوا مشربهم. ثانيا، التقسيم الغربي أعاد رسم الحدود بما يتناسب ومستعمرته، اي أنهم اتفقوا على حدود لا يأخذ طرف نصيب الآخر منها، لكن بشكل عام،  هل أعاد ذلك التقسيم خريطة التاريخ بالكامل؟ لا، بل قام بأخذ منطقة من دولة وضمها لدولة أخرى، مثل سلب اقليم وجدة من الجزائر وتسليمه للمغرب الأقصى، ولكنه لم يبتر حضارة بالكامل، والدليل أن خريطة الجزائر كانت دائما بتلك الضخامة، منذ عهد ماسينيسا 202 قبل الميلاد، الذي حدث هو أن بعض من حدودها الشرقية والغربية قد تآكلت، وهذا كان نصيب كل الدول حتى الغربية نفسها كما أسلفت الذكر.

🔹 في النهاية، توقفوا عن ذكر سايس بيكو لتبرروا ما لا يجب أن يكون مشكلةً في الأصل، اقرأ التاريخ، إذا وجدت فيه اتحادًا كاملا حاجحني به، الإسلام يجمع الشعوب، لكن السياسة والطبيعة لا تفعل، فلا بأس أن تبقى الشعوب على ثقافاتها وتاريخا الخاص، وتتفق في دينها وربها المعبود، فالله تعالى من أثبت أننا مختلفون في كتابه «شعوبا وقبائل».. 
فإذا توحدنا يوما، فلن يكون ذلك سوى تحت راية نبي، فلا سياسة ولا ثقافة ونبي الله يسري بيننا.

المقال 387
#عمادالدين_زناف. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق