الثلاثاء، 25 أبريل 2023

عن كسل أم إنهاك؟



هل أصبح البشر كسالى أم هم يعانون من الإنهاك؟

القضية الأولى: ما الذي حدث لشعوب أوروبا؟ 
بعد الحربين العالميتين الطاحنتين، والتي شهدت أكبر عدد ضحايا في وقت قصير في تاريخ البشرية، خرجت أوروبا مُنهكةً من الدماء التي استبيحت، وانتقلت السياسة العامة بين الغريين شيئا فشيء من الصراع العسكري البشري، إلى الصراع القانوني، أي، انتقل الغربيون إلى ما يسمى الاحتكام إلى القانون والأعراف الدولية، أو عقد قوانين ومواثيق لتسوية الخلافات. وبعد أن تجاوزوا كل الخلافات، انتقلوا إلى مرحلة جديدة قديمة، وهي العودة إلى الصراع الأيديولوجي ما قبل الحربين العالميتين، وهو بين اليمين واليسار في البلد، بين من هم محافظون (القوميين والمتدينين) و(المنفتحين واللاسلطويين)، مع عديد الملفات المستحدثة، مثل الهجرة والتنوع الديني والتفتح الجن.سي والقضية العر.قية التي انتشرت في أوطانهم وصارت حديث آخر عقد.  الشعوب الأوروبية تشهد انهيار آخر ما تبقى لهم من قيم ولا تحرك ساكنا، وعندما نتحدث عن القيم، فهي قيم يتفق عليها المؤمن وغير المؤمن، قيم إنسانية اتفقت على مبادئها كل حضارات العالم منذ القدم، كالتعايش والتبادل والتجارة  والسلم والاستقامة الطبيعية في القضايا الأسرية بكل تفاصيلها.  أما حضارة اليوم، فهي لا تشبه الحضارات السابقة، فهي أكثر حضارة منحلة أخلاقيا، ومع ذلك، لا تجد انتفاضة شعبوية لاستعادة القيم، بل كأننا نشعر بأن الحكومات والشعوب الغربية مستقلين عن بعضهم البعض، الحكومات تسن قوانين تعادي الطبيعة، والشعوب بين ادأقلية موافقة وناشطة سياسيا وإعلاميا، وغالبية معارضة لكنها صامعة وجبانة، فتظهر لنا كأنها غير موجودة، وأن الطرف الآخر يشكل أغلبية.   ما الذي حدث بالضبط؟ هل تعبت شعوب أوروبا من الصراعات والمعارك؟ هل ابتعدت كثيرا عن فكرة الموت من أجل قضية حتى أصبحت تقبل كل شيء فقط لكي تُبقي على روتينها ولذاتها اليومية دون إزعاج؟! 

القضية الثانية: هل نحن (شعوب الجنوب) في طريقنا لهذا الكسل؟
قبل الحديث عن الكسل، هل نحن شعوب منهكة من الحروب؟ -المسألة متشابكة كثيرا، لأن المعارك التي خاضتها شعوب الجنوب من بلاد فارس إلى الرباط عمرها لا يزيد عن خمسون سنة، وهي أدنى من الحروب العالمية التي انتهت قبل ذلك. بالرغم من التفاوت الكبير في حجم الخسائر وكذا في الظرف القصير والمكثف التي وقعت فيها. فصدمة شعوب أوروبا النفسية كبيرة جدا، في ظرف أربعون سنة شهدوا موت 160 مليون ضحية وملايين من حالات الاغت.صاب في ألمانيا وبلدان أخرى. بينما عرفت مناطقنا معارك وإبادات متفرقة زمنيا، ورغم تجذر الاستعمار سياسيا، إلا أن المقاومة الثقافية والدينية بقيت صدا منيعا رهم هشاشتها بالمجمل لا بالتفصيل. نحن شعوب منهكة من ماذا؟ هل نحن شعوب منهكة من الفساد الداخلي حقا؟ من الابتعاد عن الأصل الديني وااثقافي الذي قمنا عليه، ونستنكر له في جسدنا المجتمعي حاليا؟ أم من الطموح التعجيزي للتشبه بالغربيين بأي ثمن؟ 
نحن شعوب مثلها مثل الغربيين، لا تقاوم إلا من أجل اللذة، نقاوم لبقاء هذا الروتين الركيك، والثمن هو قضايا عميقة، قضايا القيم، قضايا الأرض والدين والتاريخ. قد يكون الخمول عن كسل، فقد ترعرعنا في ظروف توفر كل الملذات، فنحن شعوب مخدرة هوايتنا تحفيز هرموناتها صباحا ومساءً، لا تريد ان تسمع عن قضايا تعتبرها مقلقة ومزهجة لراحتها، وسواءً كان هذا الأمر عن خمول أو عن انهاك تاريخي، فنحن والشعوب الغربية نشبه بعضنا في العدمية المفرطة، ونتشارك  في تحطيم المشترك الحضاري في مواضيع حساسة تقودها أقليات يسارية هدفها انهاء كل موروث إنساني طيب.

المقال 351
#عمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق