الأربعاء، 26 أبريل 2023

قانون براندوليني (سلطة الهراء)



عندما يكون تصنيع الهراء أسهل بكثير من تكذيبه.

هذا ما يسمى بقانون براندوليني، أو مبدأ عدم تناسق وتناظر الكلام. ومعناه بالمجل هو أن " الأكاذيب والمعلومات المُضللة المنشورة تحتاج إلى جهد لدحضها أكبر بكثير من الجهد المبذول في تلفيقها"

فصناعة الكذب والدعاية لا يحتاج شيئا عدى التفوه به أمام مجموعة أشخاص غير مختصين وتغلب عليهم الحميّة، فانتشاره بين أفراد المجتمع لا يتطلّب دليلا، فإذا كان من السهل إنشاء معلومات خاطئة أو استنتاج أو إدعاء فهم كاذب، وذلك من حيث الجوهر والشكل لا يتطلب سوى بضعة دقائق، فمن المحتمل أن يستغرق الأمر عدة ساعات وربما أيامًا لتفكيك كل نقطة وإظهار زيفها بطرق منهجية متينة. ورغم المجهود القائم، إلا أن هذا لا يضمن نجاحًا، لأن الضّرر قد حلّ بمجرّد إطلاق تلك الدعاية، لأن أكثر من ثمانون بالمائة من الناس لن تتغيّر عواطفهم الميالة للدعاية والكذبة الأولى، حتى بعد إصلاحها علميا.

إن المعالجة العلمية والتصحيحات المنهجية في ذاتها لن تطال مسامع كلّ من تلقوا الكذبة والمغالطة الأولى، وحتى إذا بلغتهم فهم ليسوا من أهل الإختصاص لمناقشتها، بل هم يستقبلون المعلومات حسب ميلهم العاطفي لها.

 ينتقد هذا المبدأ تقنية الدعاية التي تتمثل في نشر المعلومات بشكل همجي ومكثّف، من أجل استغلال سذاجة جمهور معين يتوسّل التفكير السريع بطريقة غريزيّة وعاطفيّة تُداعب انحيازاته المعرفية. 

إن لهذه القضية أصل تاريخي، فقد  صاغ جوناثان سويفت هذا المفهوم في كتاب "فن الكذب السياسي" سنة 1733م: "الكذبة تطير، ثم تتأرجح الحقيقة ببطء بعد ذلك. إن الحقيقة أتت بعدَ فوات الأوان، المهزلة قد انتهت.. وكان للحكاية تأثيرها" .

 تم تعميم هذا المبدأ لأول مرة في سنة 2013، من قبل المبرمج الإيطالي ألبرتو براندوليني [المدرج في الصورة] تحت عنوان: مبدأ عدم تناسق السخافة.  فقد صاغ براندوليني هذا المبدأ بعد سماعه مقابلة للسياسي الإيطالي سيلفيو برلسكوني، أدلى فيها بالعديد من التأكيدات الكاذبة دون أن يستجوبه الصحفي أو أن يناقضه فيها حتى. 

يترتب على هذا القول المأثور أن للمعلومات المضللة ميزة وخطوة استباقسة كبيرة جدا عن الحقيقة، لأن إثبات الحقيقة مكلف كثيرًا من حيث الوقت والطاقة والإمكانيات، بينما إطلاق أحكام عبثية وقصص خيالية ونظريات المؤامرة لا تكلف صاحبها سوى منصّة وحفنة من الأشخاص ليتلقّفوا تلك القصص وينشروها كالنار على الهشيم.

 في العلم والقانون،  يقع عبء "الإثبات" دائمًا على عاتق الشخص الذي يأتي ليؤكد الفرضيات والمعلومات والاستنتاجات والإدّعاءات، وإلا، يمكن لأي شخص تأكيد أي شيء دون أدنى دليل و مرجع..ثم تعمّ الفوضى بعد ذلك.  

"يخبرك قانون براندوليني أنه عندما يكون هناك وقت متساو بين شخص قال شيئًا غير دقيقٍ وغير موثٌّق وشخص  يحاول شرح سبب عدم صحته بالبراهين، فإن الشخص الذي يحاول شرح سبب فساد مقولة المُدّعي يخسر دائمًا" وهذا لأن الجملة الواحدة قد تحمل مغالطات منطقية وعلمية وتاريخية،  يتم إطلاقها في دقيقة، وتلك الأغلاط ستُعجب الناس حتمًا، بينما سيكون من الصّعب إقلاعها من خواطرهم بنفس تلك المدّة... بل يحتاج الأمر استدعاء المصادر والمراجع، وكما أسلفت، لن ينجح الأمر سوى في استرجاع نسبة ضعيفة من المغرر بهم.

المقال 352
#عمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق