الجمعة، 7 أبريل 2023

الآيات والأحاديث وضعف العقل الحديث



الآيات والأحاديث.. وضعف العقل الحديث.

بين من يؤمن بآيات القرآن المليئة بالخوارق، ويكذب الأحاديث لأن فيها خوارق.. ذلك الذي يؤمن بتواتر القرآن بالرجال ويثق في حفظهم.. نفسه يكذب تواتر السنة بالرجال ولا يثق في حفظهم، نجد أنفسنا أمام مُسلم «داخل في بعضه» يريد دينا يتماشى مع لباسه وقصة شعره والعصر الذي هو فيه، يريد أن يؤمن بشيء ويكذب بشيء بالرغم من أنهما من نفس الينبوع والمشرب. كلما أثار أحدهم شُبهة راحَ يوافقه، لأنه أفهمه أن عقله عظيم، يمكنه أن يفصل في أمور خطيرة مثل هذه { ولا يمكن لعقله أن يجد له وظيفة تليق به، أو أن يحوز مكانة مرموقة ويصبح ثريا، أو أن يفك معضلة سيراكوز في الرياضيات مثلا أو يساهم بشيء في أي علم}

قبل أن ألج عمق الموضوع، أذكّر هؤلاء بشخصية تُدعى عمرو بن عبيد، وهو رأس من رؤوس المعتزلة. فقد كان يرى ﴿كما ترى المعتزلة﴾ أن العقل سابق على النقل، فقد أثر عنه أنه قال، قال معاذ العنبري سمعت عمرو بنَ عبيد يقول، وذكر حديث الصادق المصدوق عليه صلوات الله: " لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذَّبْتُه، ولو سمعت زيدَ بن وهب يقول هذا ما أجبتُه، ولو سمعتُ عبدالله بنَ مسعود يقول هذا ما قَبِلْتُه، ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله تعالى يقول هذا لقلت له: ليس على هذا أخذت ميثاقَنا".   أرأيت الجرأة في نكران الأحاديث أين تقود؟  تيقّن أن عمرو أذكى منك بمراحل، أنت لا تستطيع حتى أن تجعل شخصين يتبعانك، فكيف بك أن تكون على رأس فرقة كبيرة.. وقد لا تصل لخيراته لو عشت عُمرين، فقد قيل أنه كان يعتمر حافيا، وكان يتاجر ليعول حرائر وفقراء ويتامى العراق، مع ذلك تجرّأ على الله مباشرة، فقد أخذه اعجابه بعقله إلى مهلكة عُظمى.  صديقي، إذا كنت ترى أنك تستطيع مناقشة الدين بالعقل فقط، فاترك الدين ولا تتعب نفسك، لأنه سيتجاوز عقلك حتما، أو اسدِ خدمة لنفسك واسكت، ولا تحاول أن تناقش ما يتجاوزك، فالدين أصله اتباع وليس مناقشة فكرية يساهم فيها كل من أعجبته خواطره.

أنت تؤمن بأن النبي أسريَ به إلى السماء السابعة، ولم يجد عقلك حرجا في قول أن النبي اخترق الفضاء والسماوات بالبراق، أن يأجوج ومأجوج حق، أن القمر قد انشق، أن البحر انفلق شطرين، أن تيسى يحيي الموتى، أن الله كلم موسى تكليما، وحجتك أن هذا ذكر في القرآن، الذي وصلنا ثقة عن ثقة عن ثقة (بشر)،  وتكذّب أن النبي عليه صلوات الله  ذكر بعلامات قيام الساعة، كخروج الدجال، نزول سيدنا عيسى، خروج الدابة.. لأن عقلك يرفض هذا؟! بأي عقل تفكر لكي نعرف من أين نُحدّثك، أنت الآن أمام منطقية مشكلة كبيرة، فإما أن تكون متوازنا ومتفقا مع نفسك، وتؤمن أن ما جاء من عند الله ونبيه، من ثقات عن ثقات حتى وصلنا، هو حق، او ان تنكر ذلك جملة وتلحد، أما أن تختار، فلست أهلا حتى على اختيار لباسك وترسيحة شعرك وما تتفوه به خشية من ضحك الناس، فلا تعط نفسك أكثر مما تستحق.

يستطيع الإنسان أن يفسّر كثيرا من الأمور علمياً وتجريبياً، أو أن  يؤمن بها غيباً، وتظهر له حقيقتها بإشارات عديدة متفرقة.
.
لنناقش مسألة الآيات بشكل عقلاني يا أبَ العقلاء.

 درس أبي حامد الغزالي هذا الحيّز بذكاء مبهر، بحيث يقول نفس ما يقوله علماء الفيزياء، بأن كثير من المواد في هذا العالم تبقى محبوسة فيه، تتغير وتأخذ شكلا آخراً، فإذا كان يعتقد الناس بأنها خوارق، فهذا لقصر معرفتهم بالطبيعة، يقول؛ إن تغير الشعور بحر النار إلى برد وسلام، خوارق على تمس عادة الطبيعة وليس منطق الطبيعة، فإذا اختفت الجاذبية، أو تغيرت طريقة تفاعل الأوزان في منطقة معينة على الارض، فهذا يعد ظاهرة داخل الكون، وليس ظاهرة خارجه، ما المقصود؟

خلق الله الكون وجعل له مسار دقيق، ومع تقدم علوم الإنسان، اكتشفوا بعضاً من صيرورة هذا النظام المعقد، بطريقة رياضية، فلا شك ولا ريب عند كل البشر، من آدم إلى اليوم، أن الكون مبني على نظام 1+1 يساوي 2، ولا يجادل في هذا إلا من له حجة في أن الواحد يحمل في بطنه أعدادا لم تُعدّ.   هذا نظام الكون، أي قلبه النابض لأبصارنا.

فإذا أردت أن تفترض أن في الكون خوارق بقول أن النار لم تحرق فلاناً، وأن فلاناً مشى فوق الماء، وآخر استطاع أن يسمع ما يقال في قارة أخرى، نجيب أنها لم تغير أسس نظام الكون الرياضية، وأن تداخل العوالم [كالسحر والمس] الذي يجعلك ترى وتشعر وتفكر بطرق غريبة، أو آيات الله في صورة الكرامات لبعض الناس، أو تلك الآيات التي ارسلها للرسل عليهم صلوات الله، قد تسبب في حدوث كسر لصيرورة وسيرورة ما اعتاد الناس على مشاهدته، ولا يعد شيئا جديدا على الكون ذاته، الذي خلقه الله ولا يعرف الانسان منه الا ما أدركه، ولا يقاس الصانع بما صنع فهو فعال لما يريد.

إن  الانسان لا يعرف عن قدرة ربه الا القليل، وأن هذه الطبيعة لم تعدنا بدوام حالات التفاعل ولم تستشرنا فيه، وأنزما لا نفهمه منها يفوق قدرة العقل ولا يعاكسه. والمؤمن يدرك أن هناك مخلوقات أخرى كالجن والشياطين تغشي أبصار الناس وتزعزع بصرهم وبصيرتهم، إليك قصة موسى وكيف قال الله أن تلك الحبال [صُوّرت لهم] على أنها ثعابين.

هناك من يبتلع العقارب والحجر والرمال والسموم ولا يحدث له شيء، لو كان أمراً علمياً، أي يؤخذ بالتجربة، لاستطعنا التعلم منه طريقة ابتلاع الحجر والعقارب والثعابين دون أن نموت، ولكن هؤلاء خوارق ليسوا يدرجون ضمن علم معين. 

ولو حدثتك عن تجربتي الشخصية لآية حدثت معي لكذبتني!  واك الحق في ذلك لأن لا دليل لدي عنها، لكنك لن تكذب نفسك إذا ما حدثت معك يوما، وإذا ما حدث لك شيء يفوق قدرة عقلك على فهمه وإدراكه، فتواضع يومها وقل؛ وما اوتيت من علم إلا قليلا، وقل ربي زدني علما.

المقال 350
#عمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق