الأربعاء، 3 أغسطس 2022

تجربة طاولة الأكل



تجربة ”طاولة الأكل“
لشرح عملية تحوّل "العلوم" من شيءٍ «محبّذ» إلى شيءٍ «منبوذ».
التجربة من كتاب (حرّروا عقولكم) لـ إدريس أبركان. 

في هذا المثال، تنزل طالبة صغيرة إلى البوفيه الخاص بفندق فخم، فتجد في طاولة كبيرة ما لذ وطاب من المأكولات والحلويات والفواكه، فتبدأ باللّف حول الطاولة ولعابها يتطاير من الشهية. 
وهي كذلك، يحضر النادل ويأمر بغلق باب الفندق! وبعدها يحاصر الفتاة أمام تلك الطاولة الشهية! ويأمر الفتاة بأكل كل تلك المأكولات! فإذا تركت أي شيءٍ من تلك المأكولات، ستدفع ثمنه، وتُطرد من الفندق تحت صافرات الاستهجان من الجميع، عُمال وزبائن!
ليس هذا فحسب، بل وجب أن تأكل كل شيء في ظرف ساعة واحدة فقط، تحت مراقبة النادل وعدّه.

في هذه الحالة، المأكولات لم تتغيّر، ما تغيّر هي النظرة والطريقة والقوانين.

المأكولات هي المواد التي يدرسها الطلاب، الفندق يمثل المدرسة، النادل يمثل المؤسسات التعليمية، الزبائن والعمال هم الأولياء والمدرسون وباقي الناس.  
المشكلة في ضخّ عدد هائل من المعلومات بطريقة إجبارية وبأسلوب يُشبه التعذيب، بالرغم من أن العلم أُكلة شهية وجب أن نستمتع بها، لا أن نأخذها على مضدد وفي وقت محدد، سواءً للاستيعاب أو للامتحان. 

وكذلك العلم وجب أن يُحبّب للطلاب، لا أن يُنفّرهم منه. والمعلوم أن ربط التقييم بالتنقيط أمر سلبي أكثر منه إيجابي، فيصبح لذا الطالب نوع من التوتر عندما يتم التصحيح له، فالتصحيح لا يزال مقروناً بالتوبيخ، بالرغم من أن التصحيح عملية إنسانية مُمتعة وراقية وجب أن نبحث عنها، لكن إذا ما اقترن التصحيح بالتقييم والتنقيط الذي قد يُسفر على إعادة السنة أو الطّرد، فإنه يُنمّي في ذهنية القارىء أن التصحيح أمر سلبي وجب تحاشيه، وكذلك يفعل في باقي حياته، لذلك نجد أن مُعظم الناس لا يحبون من يصحح لهم، لهذه الخلفية التي نشأنا عليها.

بهذه الطريقة انتقلت نظرتنا عن الحلويات (العلوم) من شيء نبحثُ عنه، إلى شيء يجعلنا نشعر بالنفور، خاصة داخل المدارس. فكوّنا أجيالاً تضجر من ذكر الرياضيات والفلسفة كمثال، وضف إليهم ما شئت حسب درجة التنفير التي يشعر بها كل طالب. 

فالمدرسة كوّنت في الناس رُهاباً عِوَضَ أن تدفعهم لغير ذلك. 

فكما يقول دافينشي، لا يجب أن نجعل الطبيعة تشبهنا قصراً، بل علينا أن نعمل على محاكاة الطبيعة والامتثال بها.  فكذلك نقول، لا يجب أن نجعل عقولنا تشبه المدارسي، علينا إخضاع المدارس لتُحاكي عقولنا. وبذلك، علينا نجعل تدريس المادة العلمية بشكل يتماشى وأسلوبنا في حب الحلويات وكل ما لذّ وطاب، وأن نبتعد عن الطرق التقليدية التي تزيد من التوتّر، وتوهم الناس أنهم في تقدّم، بينما يريدون التخلّص من تلك المهام في (حشو المعلومات وتحاشي التقييمات) صباح ومساء كل يوم.
 

المقال 315
#عمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق