التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الو.م.أ.. وبيعها الحرب لمن اشترى



مقالة مُختصرة لتُحيط بالتطوّر الذي خضع له العالم تحت لواء الـ و.م.أ
 في العقود الأخيرة.
منهج الولايات المتحدة يكمن في صناعة العدو، لكنّها تصنع العدو تحت لواء الديموقراطية، فالفرق بينها وبين "ديكتاتورية ما" يكمن في انتهاجها أسلوب الشورى المزيّفة في مجلس الشيوخ، أي تستعمل طريقة إقناع الرأي العام، بينما يعمل الديكتاتور على الإقلاع مباشرةً إلى ذلك المكان وغزوه وتدميره، لكننا طبعا سنصل إلى نفس النتيجة: غزو وتدمير ونهب الثروات ووضع أعين وقواعد في تلك المنطقة. 
بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، صرّح نائب الرئيس الروسي غورباتشوف، وهو أرباتوف، قائلا: "سأخدمكَ أسوأ الخدمات، سأحرمك من وجود عدوّ لك"، جملة ثقيلة جداً فهمها العالم سريعاً عندما لملمت الو.م.أ أوراقها سريعاً وراحت تبحث عن عدوّ جديد يبرّر لها توسّعها الجديد، وبسط هيمنتها على نقاط متفرّقة من العالم. صنعت هذه الأخيرة لوحدها حوالي أربع مائة صراع حول العالم، وأصبحت تختارُ عدوّها، بعد أن كان لها عدوّ حقيقي. أوّل تحوّل حقيقي في العالم حدث في حرب الخليج الأولى، الحرب الأولى التي لم تتدخّل فيها روسيا (الاتحاد السوفييتي)، بعدما قرروا أن صدام حسين لم يطبّق تعاليم الديموقراطيّة التي تريدها، هذا الأخير الذي سهّل كثيراً من ذريعة الو.م.أ عند غزوه للكويت. 
حرب الخليج الأولى هي الأولى كذلك من نوعها صحفياً، ذلك أنها أولّ حربٍ تمّ إذاعتها على المباشر في القنوات، والتعليق عليها من قبل السياسيين والصحفيين، أي أنها أو حرب خضعت للتحليل "الديموقراطي" على المنهج الأمريكي البحت. القناتين M6 الفرنسية وCNN  الأمريكية كانتا مولداً لهذا الأسلوب الإعلامي، الذي انتهجته مُعظم القنوات الإخبارية من يعدهم إلى يومنا هذا. 
أنت تقرأ مقالة للكاتب عماد الدين زناف.
العملية كانت في التحليل المباشر، ثم صناعة برامج حول الاحداث، ثم التواصل مع المحللين من بلدان مختلفة، وكان في الأفق منهج واحد هو جعل الحرب في ذاتها أداة استهلاكية، مسرحاً للمشاهدين، ثم التسويق لفكرة الو.م.أ ضد الأشرار، ومن يعاكس نظرتها فهو شرير، بشهادة المحللين الذين أتيحت لهم فرصة الظهور في قنواتها، والقنوات التابعة لها بالوكالة. 
جاءت بعدها معارك في يوغوسلافيا ونشأة الدول الجديدة، ثم معارك في الصومال وغيرها، وكانت معظمها معارك غير استراتيجية للو.م.أ، عكس ما كانت عليه حربها مع الاتحاد السوفييتي، لذلك كانت وجهتها هي الدفاع على حقوق الانسان، وعليه، اعتمدت الو.م.أ على صناعة مثقفين، أو منهجية فكرية تكون مفكرين يتحدّثون في الكتب والمجلات والقنوات عن حقوق الانسان ومحو التمييز وما إلى ذلك، وقد بلغت هدفها عندما جعلت تُصعّد من حقوق الانسان وتجعله ذريعة للتدخّل في شؤون الآخر، مرتكزةً على كل أذنابها من مفكريها ومفكرين تابعين لها بالوكالة. في فرنسا رأينا بروز رؤوس مثل بيرنار هنري ليفي، يدعوا حكومته الفرنسية للتدخل عسكريا في كل مكان. فالذي يفعله ليفي اليوم، في الحديث عن الديموقراطية في ليبيا من غرفته، دون أي معرفة بالوضع الليبي، كان يفعله سارتر قديما، عندما كان يدافع عن ستالين من غرفته في فرنسا، فقادة البروباغندا أو الدعاية بالوكالة ليست وليدة اليوم.  
مـا نستنتجه من العملية الأمريكية، هو التحول السريع من إلى بطرق ناعمة، ما أنتج القوة الناعمة، والتي تتوغل لذهن الناس عن طريق الأفلام والاعلانات والملابس والمأكولات، فقبل أن تبيعك الحرب، ستجعلك أمريكيّ التفكير، متحررا ديموقراطيا محبا لحقوق الانسان، مصطلحات واسعة ودعوة عريضة ستُحرجك أمام أي إنسان إذا ما شككت في أحقيّة الو.م.أ على فرضها.
أنت تقرأ مقالة للكاتب عماد الدي زناف 
اليوم، وكما نُشاهد، الو.م.أ تنشر ديموقراطيّة جديدة، ألا وهي ديموقراطية التمرّد، التمرّد على الأمور الإنسانية التي لم تكن محلّ نقاش البشر من جميع ثقافاتهم، مع الاعلام والدعاية، صارت بعض الأمور الإنسانية اعتداءً في ذاتها، وأن الأخلاق الجديدة تفرض عليك التخلي عن مبادئك القديمة، وتمرّدك عليها، والدعوة إلى المفاهيم الجديدة، وإلا، فلن تكون مواطناً كوسموبوليتياً مُحترما، وإذا كان كل مجتمعك كذلك، فيتم عزلكم عن العالم، وشن حملة تُدعى ثقافة الإلغاء، وإخراجك كليا من العصر الحديث.
إذا فلنحذر، ولنترقب، ولنكن على وعي تام بأن مستقبلنا يرتكز على فهمنا لأسلوب وفلسفة القوي المسيطر، لذلك كتبت رواية مينيسوتا، ولذلك أدعوكم لفهم الفكر الأمريكي فهما عميقا.

المقال 296
#عمادالدين_زنافعمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

خيانة سيجموند فرويد للعالم.

 تحذير⭕، هذا العمل ليس للجميع ، فهو يحتوي أمور نفسية لا يحتملها البعض، من لا يشعر بالارتياح من جراء القصص الصادمة لا يكمل. العنوان: اليهود ، زنا المحارم و الهيستيريا. ترجمة مني عن عمل لكاتب فرنسي لن اذكر اسمه لانه ممنوع من المواقع الاجتماعية، لكنني سوف اترك اسم كتابه داخل الترجمة. _____ لا نعرف عدد الذين يمارسون زنا المحارم في العوائل اليهوديه،  ليس هناك احصائيات في هذا الموضوع،  ولكن عبر الادب والسينما،  عرفت ان زنا المحارم امر يتكرر كثيرا عند هؤلاء النجوم الادبيون،  عند يهود الصيفاراد  في البحر المتوسط، او عند اليهود الاشكيناز في اوروبا الشرقيه. مثلا في فيلم charlotte for ever في سنة 1986 ،  او في موسيقى 1984  lemon incest،  زنا المحارم عند الادبيين اليهود واضح ،  الروائيه كريستين هونغو ، من أم يهودية اشكينازية ،  في كتابها المعنون ب«زنا المحارم» في سنة 1999 و خاصة الصفحة 206،  كتبت فيه كل علاقاتها الجنسيه مع ابوها ،  وكان ابوها غير يهودي بل فرنسي ابيض البشرة ، والذي اتهمت به «لتبعد البشهة عن اليهود»كل ذوي البشرة البيضاء...