الاثنين، 6 يونيو 2022

الو.م.أ.. وبيعها الحرب لمن اشترى



مقالة مُختصرة لتُحيط بالتطوّر الذي خضع له العالم تحت لواء الـ و.م.أ
 في العقود الأخيرة.
منهج الولايات المتحدة يكمن في صناعة العدو، لكنّها تصنع العدو تحت لواء الديموقراطية، فالفرق بينها وبين "ديكتاتورية ما" يكمن في انتهاجها أسلوب الشورى المزيّفة في مجلس الشيوخ، أي تستعمل طريقة إقناع الرأي العام، بينما يعمل الديكتاتور على الإقلاع مباشرةً إلى ذلك المكان وغزوه وتدميره، لكننا طبعا سنصل إلى نفس النتيجة: غزو وتدمير ونهب الثروات ووضع أعين وقواعد في تلك المنطقة. 
بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، صرّح نائب الرئيس الروسي غورباتشوف، وهو أرباتوف، قائلا: "سأخدمكَ أسوأ الخدمات، سأحرمك من وجود عدوّ لك"، جملة ثقيلة جداً فهمها العالم سريعاً عندما لملمت الو.م.أ أوراقها سريعاً وراحت تبحث عن عدوّ جديد يبرّر لها توسّعها الجديد، وبسط هيمنتها على نقاط متفرّقة من العالم. صنعت هذه الأخيرة لوحدها حوالي أربع مائة صراع حول العالم، وأصبحت تختارُ عدوّها، بعد أن كان لها عدوّ حقيقي. أوّل تحوّل حقيقي في العالم حدث في حرب الخليج الأولى، الحرب الأولى التي لم تتدخّل فيها روسيا (الاتحاد السوفييتي)، بعدما قرروا أن صدام حسين لم يطبّق تعاليم الديموقراطيّة التي تريدها، هذا الأخير الذي سهّل كثيراً من ذريعة الو.م.أ عند غزوه للكويت. 
حرب الخليج الأولى هي الأولى كذلك من نوعها صحفياً، ذلك أنها أولّ حربٍ تمّ إذاعتها على المباشر في القنوات، والتعليق عليها من قبل السياسيين والصحفيين، أي أنها أو حرب خضعت للتحليل "الديموقراطي" على المنهج الأمريكي البحت. القناتين M6 الفرنسية وCNN  الأمريكية كانتا مولداً لهذا الأسلوب الإعلامي، الذي انتهجته مُعظم القنوات الإخبارية من يعدهم إلى يومنا هذا. 
أنت تقرأ مقالة للكاتب عماد الدين زناف.
العملية كانت في التحليل المباشر، ثم صناعة برامج حول الاحداث، ثم التواصل مع المحللين من بلدان مختلفة، وكان في الأفق منهج واحد هو جعل الحرب في ذاتها أداة استهلاكية، مسرحاً للمشاهدين، ثم التسويق لفكرة الو.م.أ ضد الأشرار، ومن يعاكس نظرتها فهو شرير، بشهادة المحللين الذين أتيحت لهم فرصة الظهور في قنواتها، والقنوات التابعة لها بالوكالة. 
جاءت بعدها معارك في يوغوسلافيا ونشأة الدول الجديدة، ثم معارك في الصومال وغيرها، وكانت معظمها معارك غير استراتيجية للو.م.أ، عكس ما كانت عليه حربها مع الاتحاد السوفييتي، لذلك كانت وجهتها هي الدفاع على حقوق الانسان، وعليه، اعتمدت الو.م.أ على صناعة مثقفين، أو منهجية فكرية تكون مفكرين يتحدّثون في الكتب والمجلات والقنوات عن حقوق الانسان ومحو التمييز وما إلى ذلك، وقد بلغت هدفها عندما جعلت تُصعّد من حقوق الانسان وتجعله ذريعة للتدخّل في شؤون الآخر، مرتكزةً على كل أذنابها من مفكريها ومفكرين تابعين لها بالوكالة. في فرنسا رأينا بروز رؤوس مثل بيرنار هنري ليفي، يدعوا حكومته الفرنسية للتدخل عسكريا في كل مكان. فالذي يفعله ليفي اليوم، في الحديث عن الديموقراطية في ليبيا من غرفته، دون أي معرفة بالوضع الليبي، كان يفعله سارتر قديما، عندما كان يدافع عن ستالين من غرفته في فرنسا، فقادة البروباغندا أو الدعاية بالوكالة ليست وليدة اليوم.  
مـا نستنتجه من العملية الأمريكية، هو التحول السريع من إلى بطرق ناعمة، ما أنتج القوة الناعمة، والتي تتوغل لذهن الناس عن طريق الأفلام والاعلانات والملابس والمأكولات، فقبل أن تبيعك الحرب، ستجعلك أمريكيّ التفكير، متحررا ديموقراطيا محبا لحقوق الانسان، مصطلحات واسعة ودعوة عريضة ستُحرجك أمام أي إنسان إذا ما شككت في أحقيّة الو.م.أ على فرضها.
أنت تقرأ مقالة للكاتب عماد الدي زناف 
اليوم، وكما نُشاهد، الو.م.أ تنشر ديموقراطيّة جديدة، ألا وهي ديموقراطية التمرّد، التمرّد على الأمور الإنسانية التي لم تكن محلّ نقاش البشر من جميع ثقافاتهم، مع الاعلام والدعاية، صارت بعض الأمور الإنسانية اعتداءً في ذاتها، وأن الأخلاق الجديدة تفرض عليك التخلي عن مبادئك القديمة، وتمرّدك عليها، والدعوة إلى المفاهيم الجديدة، وإلا، فلن تكون مواطناً كوسموبوليتياً مُحترما، وإذا كان كل مجتمعك كذلك، فيتم عزلكم عن العالم، وشن حملة تُدعى ثقافة الإلغاء، وإخراجك كليا من العصر الحديث.
إذا فلنحذر، ولنترقب، ولنكن على وعي تام بأن مستقبلنا يرتكز على فهمنا لأسلوب وفلسفة القوي المسيطر، لذلك كتبت رواية مينيسوتا، ولذلك أدعوكم لفهم الفكر الأمريكي فهما عميقا.

المقال 296
#عمادالدين_زنافعمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق