الأخطاء اللغوية، وخلفيّاتها الاجتماعيةالأخطاء اللغوية، وخلفيّاتها الاجتماعية.
جَميعُنا يقع في زلّات لغوية وإملائية، بعضها عن جهل، أي أننا لا نعرفُ كيفَ تُكتب الكلمة والمصطلح من الأساس، وبعضها عن ظنّ بأنّ تلك الكتابة صحيحة، ذلكَ أن اللسان العربي كمثال لهُ مدارس، فمنهم من يتسامح ومنهم لا يفعل، ومنهم من يُجيز، ومنهم من لا يفعل، ككتابة ياسين ويـسين ويـس، مدرسة ومدرسه، مذا وماذا، إلى غير ذلك، وبعضها عن سرعة في الكتابة، ما أسّس لوظيفة مُستقلّة تُسمى المُدقّق اللغوي، فهو يسعى لتتبّع زلّات المُؤلّف، وأي خطأ يسقط في مؤلّف ما، يكون المُدقّق هو المسؤول عنه، لأنّه يأخذ أجرة على ذلك.
الآن وبعد أن ثبّتنا العرش، نأتي للنقًشَ في الخلفيات التي تجول في لا وعي الناس الجمعي، لمن يُكثر من الأخطاء الكتابية، ومُخطئ من يظنّ بأن السخرية من الخطأ اللغوي تقتصر عند جهل الكاتب بطريقة كتابته، أي أن يُسخر منه لأنه يكتب دون تشبّع لساني مُعجمي. في الحقيقة هذا سبب سطحي جداً، لأن لا أحد يمكنهُ أن يُفلت من الخطأ، والاحاطة بكل المُعجم يكاد يكون مستحيلاً، وهو في الأصل تخصّص مستقلّ.
كثرةُ الأخطاء اللغوية قد تشير إلى خلفياتٍ عديدة، فمثلاً قد يكون صاحبها من بيتٍ غير ذا علم وأدب، والأسباب من هنا متعدّدة، فالكُتب تحتاجُ مالاً، والعلم يحتاجُ مُكنة مادية ونفسية، فإذا نشأ الفتى في بيتٍ ميسور الحال، من أبٍ وأمٍ كادحين، سينتظرُ حتى يشتد عضده ليحتطب بنفسه في زوايا الكتب، وسيتدرّج في العلم والمطالعة في سنّ متأخّر، وسيباشر الكتابةَ كمن يباشر المشي صبياً، لذلك، فإن أوّل أسباب الأخطاء قد يكون له خلفية اقتصادية واجتماعيّة. ولا أربط هذا بذاك، فقد تكون الأسرة فقيرة، بينما تجد الكتب في كل الزوايا، وهذا راجع لميل الأب أو الأم للثقافة، والتي لم تأتي من العدم، فستجد هؤلاء من أصلٍ ذا علم، وإن كانَ يسيراً. فعلينا أن نسمح للمبتدئ أن يبدأ، ويكون شعلة العائلة في الأدب والعلم.
تشير السخرية من الأخطاء اللغوية إلى الخلفية الطبقيّة أيضاً، نعم، فبعد أن تحدّثتُ عن الطبقية في مقال سابق، في الملبس والهيئة والصفات الجسمية، فإن النبلاء قديماً كانوا الوحيدين من يملكون الجلد ثم الورق والحبر، أي أن التدوين كان شيئاً يخصّ الميسورين حالاً، أما بقيّة الشعب فكانوا في الأسواق والأراضي يكدحون لقوتهم، لذلك، بقيت تلك الخلفية في ذهن الانسان أن من يقرأ ويكتب هو شخص لا يحتاج إلى العمل الشاق، فهي من الكماليات عند العامة، وعليه، فإن الذي يملك مكتبةً، ويملك الوقت الكاف للقراءة، حريّ به أن يُحسن الكتابة! وهذا ما ترسّخ في العقل الجمعي ولا وعينا الجمعي كذلك. المُتمكّن من اللسان العربي أو أي لغة كانت، سيُظهر "طبيقيّته" بعض الشيء في السخرية من الآخر، الذي لا يُحسن ما يحسنه هو، وفي الحقيقة، قد تلاشت هذه الفوارق منذ فترة، وأصبحت القراءة والكتابة ملكاً للجميع، لكن هذا لم يُذهب تلك الحساسيّة الطبقيّة، فالمُتحكّم في النحو والإملاء، الثري معرفيا ومعجمياً، له خلفيّة بورجوازية، وسلطة معنوية عند الذي لا يتحكّم فيهما، لذلك نرى أن الذي يكثر من الأخطاء يخجل من أن يتم تصحيحها له أمام الناس، لأن السبب كما ذكرت لا يقتصر على جهل الكتابة، بل راجع لاحتقار طبقي.
فإذا كنا من هوّاة الكتابة، علينا أن نعلم أن الخطأ جزء لا يتجزّأ منها، وأن كلّ محاولات الإصلاح السّردي والتركيبي وغيرهم، ستجعل منظرك الاجتماعي أرقى، هذه حقيقة غير محسوسة، لكنها موجودة. وعليه، علينا أن نعرف بأن ما ننكرهُ طبقيّاً، نعيشه يومياً بأشكال مخفية.
تعلّم لسانَ أمّك جيّداً لأنه لسان القرآن، ولسان العالم، ذلك أنه الوحيد الذي لن يموت، فقوة لسان العرب أنه يعيش بالتواتر اللفظي، لا بالمخطوطات فقط.
المقال 295
#عمادالدين_زناف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق