التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التشبّه بين النبلاء والبسطاء



التشبّه الطبقي، من الأسفل نحو الأعلى، والعكس! السبب مبطون! الظاهر هو: إن من يملك القوّة، يُقنّن الجمال.

تساءل العديد من علماء الاجتماع والنفس عن الغاية التي تلزّ الناس على تقليد بعضهم بعضاً في الملابس (الموضة) وعلى تقليد بعضهم بعضاً حتى في الأمور البيولوجية، بحثا عن التطابق التام في الشّعر السّبط، أنف أقنى، جسد رياضيّ أو مملوء، الطول، وغيرها من الأنماط التي تشير إلى طبقة ما. 
وبعد تحليلٍ مُطوّل، لدينا أكثر من إجابة وتحليل على نفسل الفعل، فعل التماثل بالآخر، من جهة، يرى العديد الأشخاص أن لطبقة النُبلاء والأشراف بعض الصفات الخارجية الموحّدة، ففي مُعظم التماثيل والصور، نجدُ أن شعرهم أملس سبط، أنف طويل أو محدّب، قامة متوسّطة أو فارعة، مع لباس يتماشى مع طبقتهم، اللباس والمظاهر المادية، تعكس القدرة الشرائية، أو القوّة الشرائية للفرد، فهي تبعث برسالة للآخر (المرأة، في حالة الرجل، والعكس) أنك تملك القدرة على اشباع رغبات الآخر بسهولة، بذلك، يجعلكَ خياره الآمن.
انت تقرأ مقال للكاتب عماد الدين زناف.
 الفرد الذي يلعب على وتر المظاهر يُريد أن يكون الخيار الآمن وخيار الضمان البيولوجي لحياة صحيّة وسعيدة. لكن كثير من الناس، لا يملكون الإمكانيات المعنوية لبلوغ ثروة الطبقات العليا، فيبقى لهم الامتثال لما يستطيعون فعله، بذلك، يحاولون تقليد نفس تسريحاتهم، العمل على بلوغ نفس الصورة الجسدية التي يملكه الآخرون جينياً. وكمثال، نرى أن الممثلون في هوليود يلعبون على هذا الوتر كثيراً، فالتمثيل في ذاته محاكاة للطبقيّة، والمُمثّل يلعب دور الوسيط بين المواطن البسيط الذي يريد أن يكون نبيلاً وشريفاً، وبين نبلاء وأشراف التاريخ القديم، أو الحاضر! فلا يتبقّى للبسطاء سوى تقليد ما يمكن تقليده، لذلك يُهرول العامة على تلوين وتشكيل وتغيير كل ما يُمكن تغييره لبلوغ ذلك الخيال الذي يلاحقهم. 
لكن انتظروا! هناك تماثل آخر لا يتحدّث عنه الكثيرون، فهو غير مرئيّ، أو لأن البعض لا يراهُ تماثلاً أصلا، ألا وهو تشبّه الطبقات العليا بالطبقات الدُنيا! مؤخّراً، أي آخر مئة سنة، ومع تصاعد الفكر اليساري الذي يلعب دور البساطة والدفاع عن المجتمعات وحقوقهم، أصبحنا نرى تفاق طبقياً، فالأثرياء اليوم يتشبّهون بالفقراء والبسطاء، وهذا يكاد يستقل عن النوع الأول في الغاية والسبب، بل هو مبحث في ذاته.  إن الثّريّ الذي يبني ثروته بسواعد البسطاء، سيجد نفسه ملزما على التشبّه بهم كي يستعطفهم ويستدرجهم ويجلبهم إليه، فالبسطاء يملكون نظرة نقدية تلقائية عن السيّد، السيّد البورجوازي المتسلّط، فهو بذلك سيعمل على اهمال شعره ولحيته وهندامه أمامهم، تفادي المصطلحات الصعبة، والحديث بالدارجة ما أمكنه، لكيلا يُقصى من مجموعتهم، ولكي يبقى في حيّزهم ويستفيد من قربتهم، مادّيا ومعنوياً، لأن الاقصاء من الجماعة يعادل الموت.
المقال للكاتب عماد الدين زناف.
فنحنُ نرى أن التماثل يعمل من الأعلى نحو الأسفل، ومن الأسفل صوب الأعلى، والهدف من هذه المحاكاة الوهمية التعايش، الاندماج، الشعور بالألفة والحنين والتناغم مع المحيط، ليس أمرّ على البسيط أن يعيش بفكرة أنهم من سلالة البسطاء، قد يتوهّم قبول ذلك، لكن ظاهريا يعمل على اغشاء الأبصار ببعض المؤثرات البصريّة، كذلك يفعل النبيل الذي يريد أن يكون محبوب "الزواولة"، فيعمل على اظهار نفسه بسيطا قدر الإمكان، الضحك مع الجميع، مصافحتهم وربما تلطيخ نفسه بما يشتغلون، ورغم الحساسية الدائمة بين الطبقات، إلا أنها تستعينُ ببعضها البعض للعيش بقَبول وراحة.

المقال 295
#عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...