الأحد، 1 مايو 2022

الاستياء من النجوم



الاستياء.. أو ذلكَ المرض العُضال. 
لا يرى الناس في الاستياء عيباً، بل يبرّرون هذا الشعور في أنه طبيعة إنسانية، ذلكَ أننا نمل سريعاً ونريدُ أشياء أخرى. لستُ أعارض هذا التعريف، هو فعلاً شعور إنساني، والإنسان ملّال بطبعه، غير أنه تعريف ناقص، الاستياء شعور إنساني يتطوّر سريعاً إلى عادة مرضيّة. سأشرح سبب اختياري لهذا الموضوع.
كُنتُ أتابع إيلون موسك منذ مدّة، تعرفونه، الرجل الذي تجيدونه في كل مكان ويملك كل شيء يريده. تحدّثتُ عنه في كتابي الشفق، حول النيورالينك وأبعادها وتوابعها على الإنسان. عالجتُ وانتقدتُ هذه القضية من الجانب العلمي فقط، ذلكَ أنني لا أخفي إعجابي بشخصيته وطريقته الساخرة. طريقة تعاطي الفرد مع شخصية علمية أو فكرية أو مسؤولة تحتاجُ لبعض من الذكاء والفطنة، ذلكَ أن الإعجاب المُبرّر والحكيم، ينتجُ فائدة وتفريق بين الشخص وأفكاره، أما الإعجاب العشوائي والمتهور ينتج استياءً وكرها. أذكر هذا المثال، لأنني أجد أن الكثير من الناس يُعجبون بشخصية ما بشكل عشوائي غير مُبرّر فكريا ولا علميا، أي غالبهُ إعجابٌ بالشخص ذاته، وليس بما يقدّمه، وحتى لو كان الإعجاب حول ما يقدمه، فغالبا يكون إعجاباً بشيء يتماشى وهوى وخاطر المتلقّي، وليس حبا في الفكر والعلم، وهذه العملية لها توابع سيّئة. 
ذلك أن المُفكر والعالم والمسؤول والنجم لا يخضع لميول كل متابع وقارئ، بل يقوم بفعل ما عليه فعله وينصرف، وما على المتابع إلا أن يُعجب ويُبرّر إعجابه، أو أن ينتقد ويبرّر انتقاده، وليسَ عليه الاستياء من "تكرار نفس الأفكار" من شخصيته المحبوبة، أو أن شخصيته المحبوبة "أصبحت تتحدث في مواضيع لا تُعجبه". 
هناك العديد من الشخصيات، عندما يقعون في تلكَ المفارقة التي تريد أن تفرض عليهم ما يحبه القراء والمتابعون والمشاهدون، لكي يُطيل من عمر إعجابهم به ومتابعته، يوافق على فعل ذلك، أي الخضوع لما يطلبه المتابع. غيرَ أن تلك الشخصيات لم تفهم بعد نفسيّة الإنسان، ذلك أن الملّال سيمل مهما كانَ الوضع، بل وسيملّ أكثر إذا ما تمّ الخضوع لرغباته، فرغبات معظم الناس، او لنقل عندما يجتمع الناس على شيء معين، لن تجد تلك الفكرة تحلّق عاليا في عالم الفكر، بل ستجدها أفكار متوسّطة ومتكرّرة، وبذلك، نعود إلى الحلقة المغلقة، الملل من مواضيع الشخصيات التي لا تخضع لآرائهم، والملل من الشخصية التي تكرر لهم ما يريدونه.. مُعضلة. 
الاستياء يأتي من الذين لا يملكون الشغف بالأمور العميقة، ذلك أن المستاء مرضياً يبحث عن محرّكات لذة مُتجدّدة، يبحث عن الأمور البرّاقة بشكل مستمر، لا يرى الحياة إلى من جانب الدراما والضوضاء، تماما كضحية الأفلام الإباحية، إذ في كلّ مرّة يبحث عن الأشياء الأكثر غرابة، وإلا فسوف يستاء. 
هذا الشعور يدفع بصاحبه إلى الجنون، ذلك أنّه سيقضم ذيله يوما ما، فالمستاء من الآخرين مستاء من ذاته أيضا، فمن يبحث عن اللذة والسعادة عند الآخر، قد فقدها في وحته وفي ذاته، فهو من دون أن يشعر، لا يريد أن يلتقي بنفسه، الفرد الطبيعي، يبرّر إعجابه وامتعاضه، لا يُشخصن، لا يحقد، ولا يطلب من الشخصيات أن تخضع لرغباته. 
الكثير منا يلغي متابعة شخصية أضحت لا تمثله، لا تشبهه، أو تكلمت في موضوع لا يحبه، أو له رأي متعصب فيه، فعلينا بذلك مساءلة أنفسنا، ما الدوافع التي تلزّنا على متابعة أشياء تشبهنا فقط؟ هل من فائدة تلوح في الأفق إذا صنعنا عالماً يتحدّثُ عما نريده قراءته وسماعه فقط؟ هل ستتضاعف ثقافتنا بذلك؟ هل سينضج تفكيرنا؟ هل الاكتفاء بمن يشبهوننا، أ]، نُسخ منا في كل مكان، سيشعرنا بالتشبع؟ إذا كان الأمر كذلك.. لمَ لا نكتف بأنفسنا منذ البداية، ولا نحاول إلصاق ذواتنا في كل كائن حيّ..
لا تحقد ولا تستاء من الذي كنتَ معجبا به في الأمس القريب، إذا ما صارَ أحسن، أو زاحَ نحو مواضيع أخرى، أو واصلَ في المواضيع نفسها. يمكنك أن تختلفَ معه، وأن تساهم في إثراء ذلك بطرق حضارية، لكن إياك وأن تسمح للاستياء كي يغوص في أعماقك، فاستياء بعد استياء لن يوصلكَ إلا اللذة، بل سيشتّتك أكثر فأكثر. 
المقال 284
#عمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق