الثلاثاء، 3 مايو 2022

لا أحد يفكر من نفسه


لا أحد يفكّر من نفسه، لا أحد. 

السؤال الذي يتكرّر علينا دائما هو "لماذا لا تفكّرون من أنفسكم"، " لماذا تشيرون إلى المفكرين والفلاسفة والعلماء والمؤرخين"، "كما فكّروا هُم، فكّروا أنتم"، إلى آخره من الملاحظات التي تأتي من حينٍ إلى آخر. 
قبل البداية في شرحِ لمَ لا يوجدَ أحد فوق الأرض يُفكّرُ من نفسه، علي أن اوضّح أن الكُتّابُ ثلاثة أنواع، النوع الأوّل الكاتب النبيل، الذي لا يسرق أفكار الأولين والآخرين، المشهورين منهم ولا المخفيين، النوع الثاني الذي لا يتذكّر من قال هذه ومن قال الأخرى، يتذكّر الأفكار العامّة ولا يكرّر نفس أسطر الجميع، كاتبٌ لا يتعمّد السّرقة، لكنه لا يجتهد في البحث عن أصول الأفكار، والنوع الثالث، الكاتب السارق، الذي لا يشير إلى مفكر ولا عالم ولا فيلسوف ولا مؤرخ إلا خُصاصة، عليكَ أن تحذر من الذي لا يذكر أهل الفكر، ذلكَ أنك أمام سارق مُحترف، يُريد أن يظهر بمظهر النبي الذي يوحى إليه. 
التفكير من الذات يعني التفكير من خارج هذا العالم، من خارج الكون، ذلك أن الذي يعيش في كوننا هذا متأثر بتتابع الأفكار والتاريخ والثقافات والحضارات والأمم، مُلزم بتجارب الغير وخبراتهم وتفوقهم في مجالاتهم. من يدّعي التفكير من ذاته يدّعي بذلك التحرّر من أي قراءة ولا مطالعة ولا تحليل، فهو من تلقاء نفسه يستطيع شرح الأحداث والعلوم والأفكار، أي أنه يمتلك قدرة داخلية تُنتج له المصطلحات والكلمات والجُمل والأفكار. التفكير من الذات، يعني أن يقوم الفرد بإلغاء تام لكل مُكتسباته القبلية، والتفكير من الصفر، أي، العودة بذاته إلى العصور التي سبقت الحضارات كلها. 
إذا فعل ذلكَ، ما الفائدة في إزاحة العالم وتاريخه لإعادة التفكير من البداية؟ هل يعتمد المُدعي أنه يفكّر من تجاربه الخاصة؟ إذا كان كذلك، فهل سيعتبر ما مرّ عليه صحيحا وموجوداً، وأن كل ما لم يخبره ولم يلمسه، سيّئا وغير موجود؟ هل يعني أنك مُلزم على لمس الحمم البركانية للتصديق بأنها حارقة؟ أو أن تمشي وتلمس رمل الصحراء لكي تتأكد من أنه حقيقي؟ هل تُريد أن تبني كل تفكيرك العلمي والفكري والنفسي من تجاربك الخاصة حصرا؟ أم من تجارب وخبرات الآخرين أيضا!
قراءة المقالات، مشاهدة الأفلام والشرائط، مطالعة الكتب والمجلات عبارة عن خبرات فكرية وخيالية لكل فرد، تجعلنا نربط تجربة الآخرين باستنتاجاتنا الخاصة، لبناء مفاهيمي مُعتدل. 
ماذا سيحدث في العالم لو توقّف العلميون الاعتماد على تجارب الآخرين العلمية، والاكتفاء بتجاربهم الخاصة فقط؟ أو، امتناع الفلاسفة من الانطلاق مما انتهوا إليه الفلاسفة والمدارس الفكرية السابقة، والانطلاق من الصفر، أي، من مرحلة ما قبل الفيلسوف الأول. 
ماذا لو توقّفت عملية صبر الآراء التي تعتمد على نسبة معينة وليس على كل الأفراد، ذلكَ أنها لا تُمثل الأشخاص فردا فرداً، ماذا لو توقفت الانتخابات، ذلك أن نصف الشعب قد امتنع عنها، ماذا سيحدث إذا امتنعنا عن الأخذ بالتاريخ والمؤرخين، وانطلقنا نروي قصصا تتلاءم وما نريد أن نعتقد أنه قد حدث، فقط، لكيلا نستند عن أحد غير تفكيرنا.
هناك من يعيبون على الفنانين تقليد المدارس القديمة أو الحديثة، أو البداية بالرسم والغناء والكتابة تأثراً بشخصيات معروفة! فليخبرونا كيفَ سيقومون بخطواتهم الأولى دون معرفة ما سبق؟ هل سيخترعون أقلاما وأوراقا وألوانا وأدوات جديدة؟ هل سيكتبون بأحرف خيالية؟ هل سيتكلمون بلغة لا يعرفونها؟ كيف يفكّر هؤلاء؟ 
عندما ننطلق في مجال مُعيّن، فنحن أمام اتجاهين، إما اتجاه النقد أو اتباع البديل للشيء الذي نرفضه، أو مُتابعة نفس المنهج الفكري أو الفني الموجود سلفاً، مع إضافة تركيبات لغوية وأمثلة مُختلفة، وأساليب بلاغية مجتهدٌ فيها. 
الاتيان بالجديد، لا يعني الانطلاق من العدم، فنحن نرتكز على عدة أشياء تركها لنا الإنسان. والقول بالتفكير ذاتيا، هو القول بإزاحة الانسان وتجاربه. 
أن تطلب من أحدهم التفكير من نفسه هو أن تطلب منه إخفاء مصادره، أو اختراع كلمات وأفكار وأدوات غير موجودة. 
بينما يجب أن نطلب من الناس ان يحلّلوا بمنطلق علمي وفكري وفلسفي نزيه ومُعتدل، وأن يكون لهم توجّه عادل يخدم مصلحتهم ومصلحة محيطهم.
احذروا من هؤلاء الذين يدّعون التفكير من الذات، فأنتم أمام سراق، أم جهلة. 

المقال 285
#عمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق