الاثنين، 23 مايو 2022

الكربون 14 والتاريخ



عودة للمقالات العلمية المشوّقة!
ما هي قصّة كربون 14؟

يعرفهُ المختصّون على أنه وسيلة لقياس عُمر مُعظم الأشياء والحفريات، على أنّهُ ليس الوحيد في هذا. 
 كربون 14 يعمل على تأريخ المادة، فهو الوسيلة لإعطاء أقرب مُدّة ممكنة من تواجد هذه الأخيرة في الأرض، لكن دعونا نفكّكه للتقريب! الذرات المُحيطة بنا تحتوي على نواة ذرية تُدعى بروتون ونيترون وما حولها تُدعى الإلكترونات. في الحالة القاعدية، عدد الإلكترونات يساوي عدد البروتون، إذ هو ما يُحدد الطبيعة الكيميائية للذرة! أي، العنصر المحدد في الجدول الدوري للعناصر الكيميائية. مثلا، إذا كان هناك 2 بروتون فيُسمى الهيليوم H2e، 6 بروتون يُسمى كاربون C6، 8 بروتون يسمى الأكسيجين O8.
بالنسبة للنيترون فالأمر مُختلف، عدد النيترون في الغالب يساوي عدد البروتون، غير أن هناك عدّة مُتغيّرات للعناصر، وتُدعى النظائر Isotopes، فإذا أخذنا الهيليوم كمثال، نجد أن نواته ثابتة البروتون (2 بروتون) لكن النيترون متغير من 1 إلى 8. 
نجمع هذه النظائر ونُرقّمهم بعدد البروتون والنيترون.  نظريا هُناك العديد منها، لكن واقعياً، هي أقل بكثير، وغالبيّة النظائر الواقعية متذبذبة، فنجد في الهيليوم أن فقط هيليوم 3 وهيليوم 4 هم الثابتون. الثبات هنا هو بقائهم على حالتهم (هيليوم)، والتغير يعني تحولهم لشيء آخر، ويسمى الاضمحلال الإشعاعي، الأمر الذي يحدث بطريقة تلقائية غير مُنتظرة. 
الكاربون يحتوي على 6 بروتون، وباتباع عدد النيترون، نجد أن لدينا عديد النظائر، فمثلا نجد أن كربون 12 ثابت، وهو يمثل 99% من كربون الأرض، كربون 13 ثابت أيضاً لكنه يمثل 1% من كربون الأرض. أما كربون 14، موضوع مقالتي اليوم، فهو غير ثابت، لكن حياتهُ طويلةٌ جداً! قدّرها العلماء بـ 5730 سنة!
أنت تقرأ مقال للكاتب عماد الدين زناف.
إذا كان هناك كربون 14 في شيء مُعيّن، فعليك انتظار تلك السنوات لمشاهدته يَنقس بـ 50%، فتقريبا، بعد 11 ألف سنة ينقصُ منه نصف النصف أي يتبقى 25% منه.  بهذا المبدأ، يمكننا استخراج كربون 14 من أي أحفورة ودراسته، وبالكشف عن نسبة اضمحلاله وعدد كربون 14 المتبقي فيها، نعرف بالتقريب سن الأحفورة التي بين أيدينا، لأن كربون 14 يستقر فيها تماما بعد أن تثبت في الأرض. كلما كان عدد كربون 14 قليلا، كلما كان الشيء الذي بين أيدينا عتيقا جداً. 
كربون 14 دائم التواجد، ذلك أن الشعاع الكوني يضرب جزيئات الهواء ويُحوّل نواة النيتروجين (azote) إلى كربون 14، نسبة كربون 14 الممزوج في ثاني أكسيد الكربون المتواجد في الهواء يبقيه ثابتا، على شحّه!
لدراسة هذا، علينا دراسة النشاط الإشعاعي، وهذا ما يجعل العمليّة مُعقّدة جدا. إضافة إلى أن حدوده تقف عند 50 ألف سنة فقط، فمثلاً، لا نجد كربون 14 في البترول نهائيا، تعرّض المواد إلى كربون 14 جديد يضع الأبحاث في مأزق ويجعلها غير دقيقة. 
كذلك، آخر قرن من الزمن، وبعد نشاطات الانسان النووية، اهتزّت نِسب كربون 14 في الجو وزادت كثيراً، ما جعل المباحث أصعب بكثير، إلا أنها نزلت مجدداً بعد توقف العمل النووي، لكن الأكيد أن الباحثون في القرون القادمة سيجدون تعقيدات كثيرة لدراسة عصرنا. 
سنة 1940، جاء الكيميائي الأمريكي ويلارد ليبي بفكرة التأريخ بالكربون 14، فكرة أخذ عنها جائزة نوبل سنة 1960.
العملية انطلقت بأخذ بقايا أثرية نعرف مُسبقا سنّها، وإعادة قياسها بالكربون 14 لمعرفة احقّيته، ووصلوا الى نتائج مطابقة. 
أنت تقرأ مقال للكاتب عماد الدين زناف.
أشهر التجارب؟
أولها تأريخ سن مخطوطات البحر الميت، وقد وُجدت في أكواخ فلسطين سنوات 1946 و 1956، وُجد كذلك بعد المخطوطات للكتاب المقدّس العهد القديم، أقدم مخطوطة تدعى مخطوطة حلب، وقيل أنها قد كتبت بين سنة 910 و 930، المخطوطات الأولى عمرها الحقيقي عاد إلى 250 قبل الميلاد، باستعمال طريقة كربون 14. طبعا، تم دعم التحليلات باستعمال علم الحفريات أيضا، وقد جاءت النتائج متطابقة. 
لماذا استعملوا عدة تقنيات؟ 
لأن الكربون 14 قد يعطي معلومة مُغالطة، ذلك أن العلماء وجدوا خريطة في سنوات الخمسين، تدعى خريطة vinland  ،و فيها رسمة تأكد اكتشاف أمريكا من رحالة الفايكينج قبل كولومبو، الكربون 14 حدد سن ورق الخريطة بين 1423 الى 1445، غير أن هذه الدراسة غير كافية، لان الورق قد يكون عتيقا والحبر والرمة جاءت بعده بكثير، فكان عليهم البحث في الحبر نفسه، والى يومنا، الجدل لا يزالُ قائما.
إذا، للكربون 14 حدوده، هناك طريقة أخرى باستعمال بيريليوم  berrylium 10 وهو من النظائر التي تعيش 1.4 مليار سنة، به تم اكتشاف هياكل قديمة جدا مثل توماي، وكذلك أقدم مادة في الأرض الى يومنا وتسمى معدن زركون وسنه حوالي 4,4 مليار سنة!

فهل هي كائنات حية تُخبرنا عن التاريخ؟ كم يعجبني هذا السؤال. 

المقال 290
#عمادالدين_زناف
ساهم في نشر العلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق