الثلاثاء، 24 مايو 2022

هوس الإنسان بـ ”الأنف“



ما سرّ تركيز العالم على جمال الأنف؟ 
وما الرسائل النفسية والعلمية والثقافية التي يُخبرنا بها أنف الآخرين؟

أوّل ما يكرهُه العديد من البشر في أنفسهم [صورتهم] هو أنفهم، أكثر من أي شيءٍ آخر مثل البدانة أو الصلع أو أمور أخرى. لأوًل وهلة، نعتقد أنه أمر مُتعلّق بالـ ”إستيتيك“، البحث عن اكتمال الحُسن.  فكرة اكتمال الحُسن وتقعيد قوانين وأبعاد خاصة له جاء بها الفيلسوف ألكسندر جوتليب بومجارتن، فقد أسس علم الجمال وعمل على تشييع نموذج عام ليُميز الناس الجميل من القبيح، ليس حسديا فخسب بل فكريا وروحيا وعمليا، الفكرة التي عارضها كانط أخلاقياً.
لكن في الواقع، عدم إعجاب الفرد بأنفه أو بأنف غيره يحمل خبايا أخرى.
 في سن المراهقة، السن الذي كنا نريد أن نبدو فيه بظهر جميل، في المتوسطة والثانويو، لم يكن أحسن سنوات حياتنا أنفياً، ذلك أنه سن الانتقال إلى مرحلة البلوغ وما تصحبها من حبوب وتغيرات فيزيولوجية غير متناسقة، شعر جعد، أنف كبير يتوسطه حب شباب أحمر فاقع.. كلها صور لم تسعادنا على كسب جرعة من الثقة في أنفسنا. هذه العقدة الصغيرة لاحقتنا بعد ذلك، إذ أننا كنا ننتظر تغيرا، وبالفعل العديد من الناس يتغيرون للأحسن، ما يُكسبهم ثقة، وآخرون يبقون على تلك الحالة، ما يجعلهم في تذبذب مستمر من جانب تقبلهم لشكلهم الخارجي.
لا نعلمُ لمَ نتمنى أن يصبح أنفنا أجمل يوما ما، علم النفس والفلسفة قد يجيبان بعض الشيء عن هذا.
ليس من المحير أن نعلم بأن عملية تجميل الأنف هي الأشهر على الإطلاق، وذلك للقضاء على هذه العقدة من جذورها، بالرغم من أن الصلع قد يكون أكثر عقدة بالنسبة للرجل، وأن جسم المرأة أكثر أهمية من جزء معين في وجهها. 
الإنسان يحب أن يكون حسن الوجه، ومن حُسن الوجه التباعد والتوازي الجيد بين الأعين والحاجبين والأنف مع الفم، ما يعطي شكلا يريح بصر الآخر، لأن هوس الانسان الأكثر شهرة هو تعديل الأمور غير المتناسقة في الطبيعة بذهنه، أي، يتخيّل شكلاً أكثر تكاملاً لتلك الأشياء غير المتساوية، والأنف، من الأشياء التي يركز عليها الانسان في وجه الآخر، ذلك أنه محور التساوي في دائرة الوجه، فإذا كان الأنف معتدلا، اعتدلت الأمور الأخرى على محوره، وبذلك، لن يضطر أحد لتعديل شكل ذلك الخص في ذهنه، ما سيريحه من مجهود معين.
يربط الناس في لا وعيهم تكامل الأنف مع الجينات، أي، يصنفون الرجل والمرأة مكتملي جمال الأنف من الشخصيات الراقية جينياً، أي أنهم من سلالة جميلة وصافية، طبعا هذا فكر علمي خاطئ، إلا أن لاوعي الناس الجمعي لا يخضع للعلم إطلاقاً. فمن علامات النُبل هو الأنف الجميل والشعر السبط، لذلك يعمل الناس على تعديل شعرهم، فهو علامة عتيقة بدائية للقول بأننا من جينات نبيلة، تماما هي نظرتنا للأنوف.
ما يراه الجنسين في أنف الآخر إذا هو جينات تاريخية نبيلة، وبذلك، أبناء نبلاء، وبذلك، يصبح الآخر مثيراً للانتباه، يحمل خبايا جينية راقية سيمررها للآخر.
هناك ثقافة متوارثة تلصق نوعا معين من الأنوف، لأطراف وطوائف معينة، فإذا كانت شريرة، فسيصبح شكل الأنف جزءًا من صفاتهم في لا وعي العامة، وهذا ما يجعلنا نخاار الأنوف بعناية. فالأنف يخبرنا عن انتماء الفرد ثقافيا، وأكرر أن الأمر غير علمي، بل نفسي ثقافي، إلى انهما أكثر تأثيرا من العلم.
لأن الأعراق قد اختلطت، ونرى في البلد الواحد أنوفاً مختلفة، وهذا خلاف ما يعتقد الناس في أنفسهم بأن جمال شيء سطحي استيتيكي لا غير.
نحن كما نحن، علينا تجاوز الأمور التي لا يمكننا تغييرها، صحيح أن الأنف الافطس، صلعة الشعر، تباعد وقِصر الحاجبين، ضيق الذقن، أمور تزعج صاحبها، لكن عليه معرفة أن الجمال هو جملة المحاسن، وأن حسن الوجه جزء من أجزاء المحاسن، وليس فينا من هو جميل حقا [أي جاملٌ لكل المحاسن]، فكن الأحسن في كل ما تستطيع أن تنميه، واترك ما هو خارج عن سيطرتك، وتذكروا أم الذكاء والحكمة تجعلانك حسناً ومثيراً أكثر من حسن وجهك.

المقال 291

#عمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق