التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هوس الإنسان بـ ”الأنف“



ما سرّ تركيز العالم على جمال الأنف؟ 
وما الرسائل النفسية والعلمية والثقافية التي يُخبرنا بها أنف الآخرين؟

أوّل ما يكرهُه العديد من البشر في أنفسهم [صورتهم] هو أنفهم، أكثر من أي شيءٍ آخر مثل البدانة أو الصلع أو أمور أخرى. لأوًل وهلة، نعتقد أنه أمر مُتعلّق بالـ ”إستيتيك“، البحث عن اكتمال الحُسن.  فكرة اكتمال الحُسن وتقعيد قوانين وأبعاد خاصة له جاء بها الفيلسوف ألكسندر جوتليب بومجارتن، فقد أسس علم الجمال وعمل على تشييع نموذج عام ليُميز الناس الجميل من القبيح، ليس حسديا فخسب بل فكريا وروحيا وعمليا، الفكرة التي عارضها كانط أخلاقياً.
لكن في الواقع، عدم إعجاب الفرد بأنفه أو بأنف غيره يحمل خبايا أخرى.
 في سن المراهقة، السن الذي كنا نريد أن نبدو فيه بظهر جميل، في المتوسطة والثانويو، لم يكن أحسن سنوات حياتنا أنفياً، ذلك أنه سن الانتقال إلى مرحلة البلوغ وما تصحبها من حبوب وتغيرات فيزيولوجية غير متناسقة، شعر جعد، أنف كبير يتوسطه حب شباب أحمر فاقع.. كلها صور لم تسعادنا على كسب جرعة من الثقة في أنفسنا. هذه العقدة الصغيرة لاحقتنا بعد ذلك، إذ أننا كنا ننتظر تغيرا، وبالفعل العديد من الناس يتغيرون للأحسن، ما يُكسبهم ثقة، وآخرون يبقون على تلك الحالة، ما يجعلهم في تذبذب مستمر من جانب تقبلهم لشكلهم الخارجي.
لا نعلمُ لمَ نتمنى أن يصبح أنفنا أجمل يوما ما، علم النفس والفلسفة قد يجيبان بعض الشيء عن هذا.
ليس من المحير أن نعلم بأن عملية تجميل الأنف هي الأشهر على الإطلاق، وذلك للقضاء على هذه العقدة من جذورها، بالرغم من أن الصلع قد يكون أكثر عقدة بالنسبة للرجل، وأن جسم المرأة أكثر أهمية من جزء معين في وجهها. 
الإنسان يحب أن يكون حسن الوجه، ومن حُسن الوجه التباعد والتوازي الجيد بين الأعين والحاجبين والأنف مع الفم، ما يعطي شكلا يريح بصر الآخر، لأن هوس الانسان الأكثر شهرة هو تعديل الأمور غير المتناسقة في الطبيعة بذهنه، أي، يتخيّل شكلاً أكثر تكاملاً لتلك الأشياء غير المتساوية، والأنف، من الأشياء التي يركز عليها الانسان في وجه الآخر، ذلك أنه محور التساوي في دائرة الوجه، فإذا كان الأنف معتدلا، اعتدلت الأمور الأخرى على محوره، وبذلك، لن يضطر أحد لتعديل شكل ذلك الخص في ذهنه، ما سيريحه من مجهود معين.
يربط الناس في لا وعيهم تكامل الأنف مع الجينات، أي، يصنفون الرجل والمرأة مكتملي جمال الأنف من الشخصيات الراقية جينياً، أي أنهم من سلالة جميلة وصافية، طبعا هذا فكر علمي خاطئ، إلا أن لاوعي الناس الجمعي لا يخضع للعلم إطلاقاً. فمن علامات النُبل هو الأنف الجميل والشعر السبط، لذلك يعمل الناس على تعديل شعرهم، فهو علامة عتيقة بدائية للقول بأننا من جينات نبيلة، تماما هي نظرتنا للأنوف.
ما يراه الجنسين في أنف الآخر إذا هو جينات تاريخية نبيلة، وبذلك، أبناء نبلاء، وبذلك، يصبح الآخر مثيراً للانتباه، يحمل خبايا جينية راقية سيمررها للآخر.
هناك ثقافة متوارثة تلصق نوعا معين من الأنوف، لأطراف وطوائف معينة، فإذا كانت شريرة، فسيصبح شكل الأنف جزءًا من صفاتهم في لا وعي العامة، وهذا ما يجعلنا نخاار الأنوف بعناية. فالأنف يخبرنا عن انتماء الفرد ثقافيا، وأكرر أن الأمر غير علمي، بل نفسي ثقافي، إلى انهما أكثر تأثيرا من العلم.
لأن الأعراق قد اختلطت، ونرى في البلد الواحد أنوفاً مختلفة، وهذا خلاف ما يعتقد الناس في أنفسهم بأن جمال شيء سطحي استيتيكي لا غير.
نحن كما نحن، علينا تجاوز الأمور التي لا يمكننا تغييرها، صحيح أن الأنف الافطس، صلعة الشعر، تباعد وقِصر الحاجبين، ضيق الذقن، أمور تزعج صاحبها، لكن عليه معرفة أن الجمال هو جملة المحاسن، وأن حسن الوجه جزء من أجزاء المحاسن، وليس فينا من هو جميل حقا [أي جاملٌ لكل المحاسن]، فكن الأحسن في كل ما تستطيع أن تنميه، واترك ما هو خارج عن سيطرتك، وتذكروا أم الذكاء والحكمة تجعلانك حسناً ومثيراً أكثر من حسن وجهك.

المقال 291

#عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...