التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شرودينجر.. بين واقع الفيزياء وخيال الكم



أأهلاً بكم مُجدّداً.. أهلاً بكم في مقالة مُملّة  جداً وسط أخبار كرة القدم.
سأتحدّث عن معادلة شرودينجر، ستكون مقالة طويلة ومركّبة، لكنها تحمل تبسيطاً لقاعدة أساسية في فيزياء الكمّ، القاعدة التي بنيَ عليها مُعتقد العوالم المتعدّدة، رغم أنها لاقت انتقادا من أساتذة مثل ريشارد فينمان، اربطوا الحزام.. سننطلق! هذا الرجل المهووس بالفلسفة، رقم جديد أضفته في قائمة الأشخاص الذين جعلوني أهتم بالفيزياء لكي أطمح يوما ما، في زمن بعيد، ربما، أن أصيرَ فيلسوفاً، ولكي تصير فيلسوفاً، عليكَ أن تعقل قواعد الفيزياء ومستجدّاتها. 
🔸في سنة 1925، قرأ شرودينجر دراسة للعالم الفرنسي لويس دي بروجلي، دراسة مفادها أن الالكترونات التي كان يُعتقد انها جسيمات صغيرة، يمكنها أن تشتغل كذبذبات. مثّلت هذه الدراسة صدمة لشرودينجر، فقد كان يُعتقد أن عالم الفيزياء يتلخّص في ظواهر متموّجة. وما نسيميه الجسيمات ليسوا عبارة عن جزء متفرّد من المادّة، لكنها عبارة عن قمم من الزّبد   crêtes d’écumes في قطار من الذبذبات المتموّجة. 
في علاقة الربط بين الموجات تلك والمادة، قام العالم نيلس بوهر سنة 1913، بوضع نموج جديد للذرّة مقسّم الى نَظَريّتين، الأولى :
يتم تحديد مدارات الالكترونات في الذرة كمياً، ولكلّ منها طاقة محدّدة!
K2e/-13,6ve
L8e/ -3,39ev
M18e/ 1,51ev
N32e/ -0,85ev
O32e/ -0,54ev
P18e/ -0,37ev
Q8e/ -0,28ev
الثانية : ان الاشعاع المنبعث من الذرة عندما يمر الالكترون من مدار الى آخر، يصدر شعاعاً يحمل بالضبط الفروقات في الطاقة بين مُنطلق المدار ومدار الوصول.
الشعاع المنبعث من الذرة ليس متواصل بالطاقة، خياله متواصل بأشعّة "خاصة"، يقال أنها سريّة.
ورغم رواج فكرتيه، الا أنهما لم يكونا متّسقين عند الفيزيائيين، لأن الالكترونات ليس لهم مسار محدّد في الذرّة، اذا، لا يوجد هناك مدارٌ محدّد.
🔸في سنة 1920، احتفظ هؤلاء الفيزيائيون بشيء واحد من نموذج بوهر، بحيث لا يمكن  العثور على إلكترونات الذرة الا في حالات محددة فقط، تتميز بطاقتها فقط، وليس بمسار ما، بالمعنى الكلاسيكي للمصطلح.
إذا اصطدمنا بالمدارات، فكيف نبني المحطة المؤقتة للذرة؟
فكر شرودينجر في موجات ثابتة قادرة على مجابهة مدارات بوهر المختلفة.
يمثلون الإلكترونات الحائمة حول نواة الذرة كأوتار مهتزة تلتقي طرفاها، وبالتالي تصبح الذرة نوعًا من الكمان الكروي، ووضع اهتزاز هذه الأوتار يصبح مؤشراً على الطاقة.
لم تعد هناك حاجة "للقفزة الكمية"، لأن الانتقال بين مستوى وآخر من الطاقة يحدث باستمرار، حيث ينتقل الوتر ببساطة من مدار إلى آخر، مُعدّلاً نمط اهتزازه بشكل دائم.
🔸نهاية سنة 1925، يقول إن ذرة الهيدروجين، هي الذرة الأبسط في الطبيعة، الكترون واحد يُسهّل الحساب، وقد وُفّق في ذلك، فقد وجد تماما مستويات الطاقة في نموذج بوهر
1.88ev_________2.54ev___2.85ev___3.01ev
وهكذا أصبحت معادلته هي المعادلة المُرتكز عليها في ميكانيكا الكم !
معادلته دقيقة فقط فيما يخصّ الجسيمات التي تكون سرعتها منخفضة على سرعة الضوء، باقي النظريات، فهي من اختصاص العالم بول ديراك ومعادلاته، كل هذا ولّد نظرية الأكوان المتعدّد، نظرية Everett، حيث يُقال انها شرح لميكانيكا الكم أكثر منها نظرية علمية مستقلّة. 
🔸في سنة 1935، حدثت تجربة تخيّليّة، ما هو معروف بنظريّة قطّ شرونينجر، والتي جاءت كردّ فعل "لتفسير كوبنهاغن" والذي يقول متهما ميكانيكا الكم.. انها لا تصف الظواهر الطبيعية بشكل موضوعي، بل تكتفي بالتعامل مع احتمالات الرصد والقياس".
أما عن تجربة القطة، فهي تتلخّص في التالي:
حبس شرودينجر قطه داخل صندوق مزود بغطاء، وقد وضع داخل العلبة عداداً وكمية ضئيلة من مادة مشعة، منظراً أن تتحلّل ذرة واحدة خلال ساعة تقريباً وتكسر القارورة ذات السم القاتل. إذا تحللت الذرة فان "عداد غايغر" سيحرّك مطرقة تكسر بدورها زجاجة تلك القارورة التي  تحتوي حامض الهدروسيانيك السام.. فيقتل القطة فوراً.
 فهل مات القط أم بقي حيا؟ حسب ميكانيكا الكم، القط في حالة مركبة بين الموت والحية، أو حالة كمّية، وهذا قبل تفقّد القطّ.
يُمثّل القط الفيزياء الكلاسيكية، بمقابل ميكانيكا الكمّ التي وضعها شرودينجر، بالنسبة للكلاسيكية، فالقط اما حيّ أو ميّت، وهذا يثبت تعقيد ميكانيكا الكم، لأن الالكترون يمكنه أن يكون في كل مكان في وقت واحد، بما أننا لا يمكننا ملاحظته، فتحركاته تُحسب بالاحتمالات، اذ نعبر ان هناك نواة محاطة بسحابة من الالكترونات لا نعرف مكانها..
هل فهمتم؟ يقول فرينمان، لا تقل فهمت ميكانيكا الكم أبداً، لأنك لن تفهمها. لكت علينا أن نعلم أن هناك تفسيرات للظواهر الكونية تفوق قدرة الفيزياء الكلاسيكية.

#عمادالدين_زناف 
المقال 264

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...