التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الفرق بين الغليون والغليون


هذا ليس بـغَليون. 

هكذا عنونَ الفنان التشكيلي البلجيكي رينيه ماغريت لوحته الفنية، والتي رسم فيها غَليون، وقال أنه ليس بغليون، فما الرسالة التي أراد ان يوصلها من خلال هذا؟
هو محقّ، ليس بغليون حقيقي، لا نستطيع أن نضع التبغ فيه ونشعله ثم نُدخّنه، لكنه يُمثّل الغليون، يرمز له، يُصوّره من زاوية. وهذا يعني أن كل ما يُمثّل شيئاً معيّناً، يبقى وبدرجة عالية جداً لا يطابقهُ، هو منفصل عنه، إذ يفتقر لكلّ العوامل الأساسية للشيء الأصليّ، صورة الإنسان والحيوان والطبيعة والأشياء والآلات، لا تُمثّل الا الصورة فقط، ولا يمكنها أن تعوّض أو توضع محل ما مثًلته! قد يبدو هذا بديهياً، لكن فكّر للحظات تلك الحوادث التي مررنا بها، وقد كنا مصدّقين أن الصورة هي نفسها المصنوع والمخلوق، تلك اللحظات التي استثير فيها غضبنا، أو زادت فيعا سعادتنا، بلوحة مجمّدة في بعدٍ واحد، على خشب أو ورق أو خلف الشاشات الزجاجية.

رسالة مارغريت تتلخص في أن على الإنسان أن يُفرّق بين التمثيل والمُمَثَّل به، لأن الدمج بينهما، على أنهما واحد، يُحرّك استثارات ومشاعر ما كان لها أن تستيقظ.

التشبيه بالشيء، يحدث كثيراً في المدارس التشكيلية، من الجدية إلى الهزلية إلى الرمزية والمشوهة، إذا كان الغرض هو رسمة طبق الأصل للجسم، فلن يكون من حقيقة الصورة إلا زاوية ضيقة واحدة، دون روح [للكائن الحي] ولا تفاصيل جامعة لأبعاده، ما يجعله غير مطابق للأصليّ ولا يمثل إلا نسبة ضئيلةً منه. أما التشويهي والهزلي والرمزي، فهو قطعاً لا يمثل شيئاً منهُ، بل وقد يأتي برسالة تعاكس جوهر الجسم، وهذا نوع فيه دعاية لأغراض معينة، لا يحذب أن تؤخذه بمحمل الجد نهائيا. لأن ما هو مرسوم لا يمثل ولا مِعشار جزء من الأصل.

ما يِميّز البشر هو العقل، والعقل [الوعي] يفصل بين المُتشابهات، ولا يزن المتشابهات بنفس الميزان، والصورة [الحركة المجمّدة في بعد واحد] صمّاء، كتومة، ظالمة، بحُكم أنها تقص أهم ما يجب أن يُلازم المُصوَّر من المخلوقات.

عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...