شُعلة الاقتصاد.. سؤال فلسفي: المصلحة الذاتية أم الجماعية أم كلاهما معاً؟
سوف تفهم المعادلة ببساطة في هذا المقال.
آدم هو صاحبُ كتاب «نظرية المشاعر الأخلاقية» سنة 1759م، شجّع من خلاله لما يُسمّى بـ ”الإيثار“، المعروف بأنه يعني السّماح للآخر بأخذ ما كان لك، تقاسم ما هو لك مع الآخر، تفضيل الآخر على نفسك، هذا الشّعور الذي تُحرّكه أحاسيسٌ أهرى مثل الرّحمة والشّفقة.
هذه الفكرة تبدو مناقضة لما جاء به في كتاب «ثروةُ الأمم»، والذي جاء في فحواه أن ”الأنانيّة الإنسانية“ هي التي تقود إلى ثراءه وثراء الأمم.
هذا التناقض أسماه بعضُ أتباعه بـ” المُشكلة آدم سميث“، فكيف وفّق بين الأنانية والإيثار؟!
قبل تحليل كلام آدم سميث، جدير بالذكر أنه علينا أن نفهم أسلوب الفلاسفة في الطّرح، غالبيّة الفلاسفة يبدون بملاحظاتهم على السلوك الاجتماعي والفردي للبشر، ويضعون تحليلات انطلاقا من تلك الملاحظات، ولا يُحاولون فرض طبيعة جديدة عليهم!، فقد يتكرر هذا المفهوم السيّء للفلسفة عند المبتدئين في كل مرّة يصادفون فيه تناقضاً أو كلماتٍ مخيفة ومرعبة أو متناقضة يطلقها المفكّرون.
لدى سميث نظرية معروفة تُدعى ”اليد الخفيّة“، والتي تعني أن لو كل واحدٍ منّا عَمِل على بناء ذاته وثروته بأي طريقة ”الأنانية“، فسوف يعود ذلك حتما للصالح العام والمُجتمع، لأن بناء الثروة الذاتية تساوي النشاط التجاري والاقتصادي، وبذلك يكون قد ساهم في بناء محيطه بيدٍ خفيّة.
واليدُ الخفيّة فضيلة من عدّة فضائل للأنانيّة، بلغة أبسط: الأنانية هي مُحرّك الاقتصاد وسبب ازدهاره دائماً.
هنا يتعارض الاقتصاد مع الأخلاق العامة، لأن الأخلاق تُحرّم الأنانية تحت أيّ غطاء كان، وهذا ما يمنع العديد من الأمم ”المتخلّقة“ في البقاء في دائرة الانكماش الاقتصادي.
الأنانية من أرقى الفضائل في علم الاقتصاد، أوّلها شرٌّ وآخرها خير!
الأنانية المتّحدة هي التي تصنها أمّة مُتفوّقة، قد يبدو هذا بعيداً عن المنطق، لكن، عندما يكون هناك مشروع بناء منزل، سنقوم حتماً باستدعاء: الباني، السباك، النجار، عامل الكهرباء والبستاني، كل واحدٍ منهم يملك فريقاً يعمل في تخصّصه، لن يساعد أحدٌ الآخر، بل وسيحاول كلٌ منهم الانتهاء من عمله مبكّراً، وبأكثر حرفيّة كي يتسنّى لهم العمل في مشاريع أكبر، لا يأبه أحدٌ بالآخر، لكن في نهاية المطاف، جميعهم ساهموا في بناء هذا المنزل الرائع.
ورغم هذه الأنانية في العمل، إلّا أننا نشعر ببعض الإيثار المتخفّي، هذا الصّالح العام الذي يأتي كنتيجة حتمية لبناء الثروة الشخصية.
باختصار، العمل على بناء الأمة يبدأ بحبّ الذات وتطويرها، وإذا اسقطناها على مجالات الحياة الأخرى، سنجد أنّها فكرة صحيحة، فالمساهمة تكون من الفرد ”المُتشبّع بالقوّة“.
_
المقال 158.
#عمادالدين_زناف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق