التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التاريخ والرواية الوطنية



الرواية الوطنية ❗
هناك ما يُسمّى التاريخ، وهناك ما يُسمّى القصص، وما بينهما يُسمى تأليف الرواية الوطنية، فما هي الرواية الوطنية، ولماذا هي أهم من التاريخ الصحيح والقصص المُنفصلة عن بعضها؟
مقال الكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف -
نجد ان العديد من الكتاب الذين ينتسبون لعلم التأريخ، قد يقعون في مغالطة بين صياغة التاريخ الصحيح للوطن، وبين نشر مجموعات من القصص الأسطورية لتأليف رواية وطنية توحّد شعوب ذلك الوطن.
ان التاريخ علم قائم لا يعترف بخير الأحداث وأشرّها، بل هو عبارة عن سرد للأحداث بدقة دون تأليف زائف، وان وقع هذا العلم في أيادي تعمل على الدعاية الأيديولوجية، فقد يتحوّل الى رواية غرضها تفضيل قصص عن باقي الأحداث.
وقد يكون هذا الأمر نافعاً في عديد البلدان حديثة النشأة أو الاستقلال، فقضية الوطنية أساسها عاطفي لا منطقي، والعاطفية ترتكز على الروايات التي توحّد الناس في حب الاساطير الوطنية كالشخصيات والأحداث.
الأحداث التاريخية لا تعترف بالعاطفة، فالتاريخ يحمل مآسي وأحزان وخيانات وخسائر، تماما مثلما يحمل أفراحاً وفخراً وانجازات، لكن، وفي وسط الحالتين، قد لا يصل الفرد الى تحديد موقفه بين الحب اللامشروط للوطن، أو الشعور بالخزي.
لذلك يصنع كتاب الرواية الوطنية أساطيراً، واحداثاً شبيهة بقصص الالياذة، لكي يصبح حب الوطن غالباً على كره خسائره وازمنته المظلمة.
وقد يصل هذا الأمر الى اختلاق شخصيات وأحداث من العدم، إذا افتقر ذلك البلد الى ثروة حضاريةّ.
يميل أشهر الحكواتيين الى تلميع الجانب الحربي في صورة الشخصيات التي لا تُهزم والمعارك التي سُحق فيها العدو شر سحقه، لأن الانسان ميّال الى الدموية، ونجد في الصنف الثاني بشكل قليل الاعتزاز بالعلماء والباحثين، لأن هذه المواضيع لا تبث الحماسة العصبية للشعوب، بل تهمّ فقط الطبقة المتعلمة منهم.
فالتماثيل في كل بلد تمثل الحربيين في بلدان لا تملك رصيداً ثقافيا، على عكس البلدان الحضارية التي تملك رصيدا متوازنا، مستندة على الرواية الوطنية.
 لماذا لا تنجح رواية الأساطير ويحكم عليها بالفشل؟
لأن الاساطير موجودة في كل بلد، شخصيات وأحداث، والحديث فيها يصبح عقيماً.
لماذا علينا تجاوز الرواية لحب الوطن حبا صحيحاً؟
لأن الرواية تخفي الجانب السيء في تاريخ الوطن، اما التاريخ فيلزمك حب الخير والشر في الوطن الذي تنتمي اليه، لان كل شيء نسبيّ.

انتهى
#عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...