الجمعة، 1 يناير 2021

المبحث الشامل : لماذا الليل أسود !

في هذا المَبحث الخاص، سأعمل على نقلكم معي في رحلة تاريخية مشوقة، لمعرفة سبب سواد الليل علميا، فهل هي ظُلمة فعلا أم أن لا وجود لـ الليل الا في مُخيّلتنا!

المقال "العلمي" الـ 90 للكاتب عماد الدين زناف.

_

قد يبدو هذا السؤال ساذجا في البداية، لكنّها مسألة علمية حقيقية أرّقت الباحثين لأربعة قرون كاملة، حيث يختصره أغلب الناس بغياب الشمس، وهذه تعتبر إجابة خاطئة في علم الفضاء.

في الحقيقة، هذا التّجميع المصغّر سيكون من ترجمة لي لعالم الفيزياء الفرنسي إتيان كلاين.

إذا اعتبرنا ان الفضاء لا متناهيا، وانه مكتظ بالنجوم، إذا فان الأضواء بعضها لبعض، وضوء السماء بالمجمل يجب ان يكون لا متناهيا هو الآخر، بلغة أخرى لا يجب ان يكون هناك ظلام.

إذا ما القضية في تلاحق الليل والنهار؟

أوّل من تصيّد هذا التناقض هو العالم جوهانس كيبلر، الذي قال " لا يمكن للفضاء ان يكون الا منتهياً ".



لأنه إذا كان لا منتهيا، فحتما يجب أن يكون الليل منيرا أيضا.

بعده بمدة، جاء عالم الفلك ادموند هالي، 



آخذاً بقول كيبلر لكن بطريقة حسابية هذه المرة، فقد برهن أن لو كان الفضاء لا منتهي فالضوء أيضا يجب أن يكون لا منتهيا، فقد برهن ان النجوم الابعد اقل انارة من القريبة، بسبب بعدهم طبعا، ولكن لعددهم الكبير، فهم يساهمون تماما مثل النجوم القريبة.

بعدهم، جاء العالم الفلكي السويسري جون فيليب لويس دي شوزو،



 ليستكمل منطق سابقيه، بإضافة ان في الفضاء شيء اسمه " منطقة مبهمة"،



 موجودة في كل مكان، وهذا الحاجز المبهم يمتص ضوء النجوم البعيدة دائما، إذا ما يجعل النجوم البعيدة لا تساعد القريبة في الإضاءة.

في بداية القرن الثامن عشر، جاء طبيب ألماني عاشق لعلم الفلك، اسمه هاينريش أولبرس، 



مقدما ملاحظة مهمة، وهي عندما نرى باتجاه معين في السماء، ايًّ كان الاتجاه، فسوف تضيع انظارنا تتيه في سطح السماء، إذا السماء الذي ننظر اليها وجب ان تكون مغلّفة بالنجوم المنيرة، إذا قضية ان الفضاء منتهي او لا متناهي غير مهمة، لأن نظرتنا مشوّهة ومحدودة بحزام النجوم، التي تساهم في الضوء الذي نتلقّاه، وهذا الضوء يكفي كي يكون في النهار والليل، يكون النهار!

إذا السؤال طبعا، كيف يكون الليل عند غياب الشمس، في ضل تواجد هذه النجوم؟

هذه المعضلة بدأت تتفكك بالشٍّعر !، نعم بالشِعر.

في 1848، ادغارد بوي، نشر كتاب أوريكا،



 وهو كتاب فيه شهر و بعض النظرات في الميتافيزيقا، يقول في فقراته انا النجوم البعيدة تنشر ضور اسماه "المُسوّدات الكهربائية" التي لا تصلنا، لأنها لا تملك الوقت الكافي للوصول، نظراً لسرعة الضوء.

هذا الحجة تباناها عالم آخر اسمه لورد كيلفين، بقوله ان سرعة الضوء متناهية، اذا ضوء النجوم البعيدة لا تصلنا لهاذا السبب، اذا فهي لا تُرى، اذا فهي لا تساهم بالنسبة لنا في اضاءة السّماء.

في القرن العشرين، بدأت تتسارع الاكتشافات، بحيث اكتشفوا ان النجوم تستمد نورها بفضل التفاعل النووي الحراري، إذا، فقد تم اكتشاف ان للنجوم عُمر معين وتموت، بقوله تعالى "فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ" (8) سورة المرسلات.

حيث كان يُعتقد ان الكون لا متناهي وثابت، اذ:

الليل أسود لأن الضوء يقطع مسافات طويلة للوصول.

وأيضا لأن النجوم لديهم عمر محدّد، لا يبلغنا ضوئهم.

لكن في 1915، جاء انشتاين 



بنظرية جديد للجاذبية تسمى نظرية المسبية العامة، و في الثلاثينات، اكتشف رواد الفضاء ان الكون في توسّع، و معناه ان المسافة بين نقطتين في الفضاء لا تتوقف عن التباعد.

وهذا التباعد شكّل شيئاُ اسمه "تأثير دوبلر"، 



وهذا التأثير يعمل على قول بأن النجوم البعيد تميل الى منطقة حمراء، إذا بالنسبة لنا فم نجوم اقل لمعانا.

إذا، المقرر هو:

سرعة الضوء محدودة ومنتهية.

النجم محدود العمر والضوء.

الكون في توسّع مستمر.

وهذا كله يحلّ اشكالية ظلام الليل.

إذا، ليس صحيحا كفاية قول ان السماء السوداء هي سوداء تماما، في سنة 1964، تم اكتشاف شعاع مستقر ومتواجد في كل مكان، ولا ينطفئ البتة، وهو يسمى الاشعاع الأُحفوري، يعود اصله لأوّل اربع مئة مليون سنة للكون، عندما كانت صلابة و قرب الجماد كبيرة، حيث كان يمنع الضوء من الانتقال بحرية، ثم افلتت من الجماد و انتقلت بحرية في الفراغ، في تلك الفترة كانت درجة حرارتها أربعة الاف، اليوم أصبحت أقل بكثير، و شعاعها اصبح عاجز على الظهور في اعيننا.

اذا السماء سوداء: لأن اعيننا عاجزة على رؤية الضوء.. أعيننا من تُظلم السماء.

 

انتهى

هناك 4 تعليقات: