التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نيتشه في مطار الجزائر!

 من منظور التأمل في تاريخ الحضارات كلها ، معنى مُصطلحُ «الإنحطاط» هو التدهور ، السقوط ..حتى الفناء ، و هي فترة تأتي مباشرة بعد الوصول الى قمّة الحضارة و التّرغ بالمنظور "الخَلدونيّ".

أولاً: يجب أن نميز بين الانحطاط المطلق والانحلال النسبي: في الحالة الأولى ، يكون الفناء شبه كامل للحضارة.

 في الحالة الثانية ، يتم تقديم الانحطاط كمرحلة من الاضمحلال ، تعرف بحالات و فترات متقطعة من توسع النخرة.

 لكن المعنى النسبي للانحطاط، الذي يجمع بينهما، ينطبق أيضًا على عملية التدهور في قطاع معين و ليس في كل القطاعات ، مثل الفن والاقتصاد و الثقافة على سبيل المثال.


نيتشه ، الذي "لطالما اتخذ مفهوم «الانحلال»  او «الإنحطاط» كدراسة اولية و تفكيره الأعمق" ، فقد فكّك جذوره و رسم جينيالوجيا هذا المرض الفتاك في العصر الحديث ، والذي وَسمهُ ببساطة بمصطلح "العدمية".


 بتعبير أدق ، يقرن العدمية الى صنفين: 

العدمية السلبية تحدد الأزمة التي تؤثر على حضارتنا والتي تؤدي إلى فقدان غرائز الحياة الطبيعية ، والتي تتوافق مع القيم « الأخلاقية » الجديدة في بريقها و سموّها.


و العدمية التديّنيّة، التي تُعتبر أسمى من الحياة نفسها،و هي أفضل غطاء و درع و سلاح لمن لا يملك ارادة القوة اللازمة او الفهم الصحيح لمفهوم التفوق بلا استدلالات خارجة عن سياقها الأصيل.


ان العدمية السلبية سلاح العبيد و الضعفاء على الأقوياء و النبلاء، الذين يجدون سهولة فطرية في التفوق و القوة، لحسن الخليقة و النباهة الوراثية و المتعوب عليها ، عكس الضعيفةالذي لا يجد الا في الشكاية و المشاكسة مخرجاً لمجاراة المتفوّق.


 اما بينهما، فتتواجد ارادة "التعالي" على الإنسان الأخير ، انسان ما بعد الحداثة ، الذي اصبح عبداً مخلصاً لكل نزوة و شهوة عابرة، مبررا لكل تكاسل و خذلان و خسارة، مجمّلا لكل انحطاط راقصٍ و متسلط،  و لكل مشاعر الاستياء و الحقد من البشري المتفوق ، مشاعرٌ تقوده في كل مرة للعودة الى التشبث في رداء النبلاء و الشجعان و سحبه بقوة الى خندقه المظلم.


بينما نحن نتناطح ، ينزل الفكر النيتشي ، في مطار الجزائر، في مجتمع يتبنى كل التناقضات ، ينظر من اعلى الدّرج قائلاً، هذه المعضلة الجديدة : متديّنون لا دينيين و متخلّقون لا اخلاقيين، و فحولٌ غير ذكوريين، متعصّبون لا مستمسكين!.


يتبع..


انتهى


#عمادالدين_زناف

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...