من منظور التأمل في تاريخ الحضارات كلها ، معنى مُصطلحُ «الإنحطاط» هو التدهور ، السقوط ..حتى الفناء ، و هي فترة تأتي مباشرة بعد الوصول الى قمّة الحضارة و التّرغ بالمنظور "الخَلدونيّ".
أولاً: يجب أن نميز بين الانحطاط المطلق والانحلال النسبي: في الحالة الأولى ، يكون الفناء شبه كامل للحضارة.
في الحالة الثانية ، يتم تقديم الانحطاط كمرحلة من الاضمحلال ، تعرف بحالات و فترات متقطعة من توسع النخرة.
لكن المعنى النسبي للانحطاط، الذي يجمع بينهما، ينطبق أيضًا على عملية التدهور في قطاع معين و ليس في كل القطاعات ، مثل الفن والاقتصاد و الثقافة على سبيل المثال.
نيتشه ، الذي "لطالما اتخذ مفهوم «الانحلال» او «الإنحطاط» كدراسة اولية و تفكيره الأعمق" ، فقد فكّك جذوره و رسم جينيالوجيا هذا المرض الفتاك في العصر الحديث ، والذي وَسمهُ ببساطة بمصطلح "العدمية".
بتعبير أدق ، يقرن العدمية الى صنفين:
العدمية السلبية تحدد الأزمة التي تؤثر على حضارتنا والتي تؤدي إلى فقدان غرائز الحياة الطبيعية ، والتي تتوافق مع القيم « الأخلاقية » الجديدة في بريقها و سموّها.
و العدمية التديّنيّة، التي تُعتبر أسمى من الحياة نفسها،و هي أفضل غطاء و درع و سلاح لمن لا يملك ارادة القوة اللازمة او الفهم الصحيح لمفهوم التفوق بلا استدلالات خارجة عن سياقها الأصيل.
ان العدمية السلبية سلاح العبيد و الضعفاء على الأقوياء و النبلاء، الذين يجدون سهولة فطرية في التفوق و القوة، لحسن الخليقة و النباهة الوراثية و المتعوب عليها ، عكس الضعيفةالذي لا يجد الا في الشكاية و المشاكسة مخرجاً لمجاراة المتفوّق.
اما بينهما، فتتواجد ارادة "التعالي" على الإنسان الأخير ، انسان ما بعد الحداثة ، الذي اصبح عبداً مخلصاً لكل نزوة و شهوة عابرة، مبررا لكل تكاسل و خذلان و خسارة، مجمّلا لكل انحطاط راقصٍ و متسلط، و لكل مشاعر الاستياء و الحقد من البشري المتفوق ، مشاعرٌ تقوده في كل مرة للعودة الى التشبث في رداء النبلاء و الشجعان و سحبه بقوة الى خندقه المظلم.
بينما نحن نتناطح ، ينزل الفكر النيتشي ، في مطار الجزائر، في مجتمع يتبنى كل التناقضات ، ينظر من اعلى الدّرج قائلاً، هذه المعضلة الجديدة : متديّنون لا دينيين و متخلّقون لا اخلاقيين، و فحولٌ غير ذكوريين، متعصّبون لا مستمسكين!.
يتبع..
انتهى
#عمادالدين_زناف
مقال فلسفي رائع ..أحسنت أستاذ عماد الدين .
ردحذف