شهدت مملكة مراكش خلال النصف الأول من القرن العشرين حضورًا لافتًا لعدد من الشخصيات الجزائرية التي ساهمت في تكوين النخبة السياسية والإدارية داخل دهاليز المخزن. وقد عرف تأثير الجزائريين أوجّه في حكم محمد الخامس بن يوسف، وذلك بشكل مباشر. .. لكن الأمر غير جديد، فهذا التقليد قديم فقد تجسّد في عديد المرات، خاصة فيما يخصّ الإفتاء والتأريخ، وتحديدا في مدينة فاس. فقد شغل التلمساني محمد بن مرزوق الخطيب عند بني مرين وكان كاتبهم.. وكذلك فعل عدد كبير من الجزائريين خاصة في فترة إيالة الجزائر، ونذكر منهم أحمد الواعواني ومحمد بن عزوز الديلمي ومحمد بن محمد العباسي وابن جلال المغراوي وابن الكماد القسنطيني ومحمد بن عبد الكريم الجزائري وسعيد المنداسي.. لكن يبقى أشهرهم أبو العباس أحمد الونشريسي في فاس، بعد خروجه من تلمسان، أصبح أحد كبار الفقهاء المالكية في فاس،مرجعًا فقهيًا فيها الى أن قتله السعديون. وكذا المؤرخ والفقيه المقري التلمساني، الذي تولى مناصب علمية وقضائية مهمة في المدينة وكان له تأثير على الفقه والقضاء هناك. وكانت تلك تبعات الغزو السياسي السابق لمغراوة وبني يفرن والمرينيين والموحدين، فقد كان الجزائريون في السابق يرون في المغرب الأقصى امتدادا لأطماعهم التوسعية. ومع بداية الغزو الفرنسي للجزائر، في مطلع القرن العشرين، رحل عدد كبير من الجزائريين الى المغرب الأقصى خاصة الى تطوان، وجلبوا معهم كل ثقافاتهم ومعارفهم، حتى تدرجوا في الأسلاك السياسة وصارت لهم قربى بمركز القرار. وقد كان محمد أرزقي بن ناصر من أبرز علماء الجزائر التي تولى الإفتاء على المذهب المالكي، وترك أثرًا فكريًا امتد إلى المغرب كان من تلامذته محمد بن يوسف الشاب الذي سيصبح سلطان مراكش. من بين أبرز الشخصيات ذات الأصل الجزائري التي ساهمت في تكوين المحيط السياسي لمحمد الخامس، يأتي محمد المقري، الذي ولد في وجدة من عائلة تلمسانية، والذي شغل منصب الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) في عهد السلطان مولاهم عبد الحفيظ، واستمر في موقعه حتى عهد محمد الخامس. وكانت له مكانة استشارية بارزة، وتأثير على عدد من وزراء الدولة.. كما لعب قدور بن غبريط، الإداري والدبلوماسي الجزائري الذي ولد ببلعباس، دورًا مفصليا في السياسة المراكشية الداخلية والخارجية، خاصة عبر صلاته الثقافية والدينية في باريس والرباط. وقد ربطته علاقات مع محيط القصر، وكان يُستشار في شؤون الجاليات المغاربية. أما في المجال الفني، فحدث ولا حرج، انطلاقا من محمد بن القاسم القندوسي الذي ابتدع الخط القندوسي ومنه انتشر على كل شمال افريقيا وخاصة في فاس. وكذا السي ازواو معمري، الفنان الجزائري، الذي ولد في بني يني ودرس في الجزائر العاصمة، والذي استعان به المخزن ليدرس محمد بالخامس بن يوسف الشاب أيضا.. ومن الأسماء التي ساهمت في تربية المجتمع المراكشي فنيا، نجد بوجمعة العملي، الفنان الذي غادر الجزائر ليؤسس مصنعا حرفيا في آسفي، ومنه شاعت الصنعة هناك. .لاحقًا، جاء عبد الكريم الخطيب، ذوي الأصول جزائرية، والذي أصبح طبيبًا ثم سياسيًا بارزًا بعد الاستقلال، وأسس لهم حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه الجاهل بن كيران ، وكان حلقة وصل بين الجيل القديم من رجال القصر وجيل ما بعد الاستقلال.. كذلك نجد بصمة الجزائريين متواصلة في البناء هناك، على سبيل المثال بناء قصر ناماسكار في مراكش من قبل المهندس الجزائري عماد رحموني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق