الأربعاء، 23 أبريل 2025

تلخيصي لكتاب شروط النهضة - مالك بن نبي

 


ملخّصي لكتاب "شروط النهضة" لمالك بن نبي (دون أي تعليق أو تعقيب مني):

في البداية، تحدّث عن إلزامية وجود الرغبة في وعي الفرد بأن يُخلّد تاريخ حضارته، ويبعث روح خلودها في المجتمع، وأن يقاوم ليس لكي يتحرّر فحسب، بل لكي يبقى. وأعطى على ذلك مثالًا بالأمير عبد القادر، وذكر أن آخر من جسّد ذلك هو عبد الكريم الخطابي، ثم اختفت تلك الشعلة حتى برز مجدّدون للفكر الإسلامي مثل جمال الدين الأفغاني بأفكار أخرى للنهوض.

يقول إن صوت جمال الدين وأتباعه قد بلغ مسامع الجزائريين الذين كانوا في كسل حضاريّ بعد شعلة الأمير عبد القادر. وقد بدأت أولى بوادر الإصلاح من قسنطينة على يد الشيخ صالح بن مهنا سنة 1898، لكن تفطّنت لها السلطات الاستعمارية وفرّقت شمله وصادرت مكتبته. ولم تُبعث هذه الروح إلا في مطلع سنوات العشرين، عندما بدأ ابن باديس في نشر الوعي الحضاري، وانتقلت أسطورة العمل الفردي التي كان ينتظرها الشعب الخامل، كتكرار لتجربة الأمير عبد القادر، إلى عمل توعوي جماعي يشارك فيه الجميع. وبدأت تنتشر فكرة الابتعاد عن الزوايا والتقرب من المكاتب العلمية، والابتعاد عن الخمّارات والاقتراب من الحوزات الثقافية.

ورغم تبنّي هؤلاء المصلحين لتوجهات مختلفة، كمن كان يتبع المذهب الوهابي، وآخرين يتبعون منهج التعليم المدني، فبين الشاشية والقبعة، اتفق الجميع على التحرك ثقافيًا. لكن هذا كان في الفترة الأولى، قبل أن تُفسد الغايات السياسية ما أصلحته الغايات المعنوية.

عرفت الفترة الثانية من العمل الإصلاحي مرحلة سوداء أخلطت الأوراق، فقد انتقل المصلحون من روح الأمة إلى دهاليز السياسة وصناديق الانتخاب، حيث تُوّج ذلك بخطوتهم إلى باريس للتحاور، متناسين أن نجاحهم الأول كان في الابتعاد عن فخ التسييس والتحزّب. ولم تكن الجزائر وحدها من أُصيبت بحمى التحزّبات، فقد نشأت هذه الطريقة في كل العالم الإسلامي حتى أصابتهم بالركون والخمول من جديد. فهي عملية تُولّد التنافس، لكنها لا تبني الوعي، وبذلك تقهقر العمل الإصلاحي، على الأقل في جانبه المعنوي.

يقول إن سبب تقهقر الوضع العام في الفكر الجمعي الجزائري هو انتشار الجهل الذي كان ينبثق من الزوايا التي لم تكن تُحيل الناس إلى العلوم، حيث سمّى أتباع الجهل بالوثنية. فوضع مقارنة بالفترة الجاهلية التي سبقت الإسلام، إذ إن الجهل فيها أدى إلى شيء ساذج وهو عبادة الأوثان، وأسقطه على واقع الجزائر إلى غاية 1925م، إذ قال إن السذاجة التي كانت منتشرة تشبه وثنية الجاهلية، لأنها تُعتبر عبادة عن جهل. فبدأ هذا الشيء في الزوال عندما ابتعد الناس عن الدروشة وانتقلوا إلى مستويات أعلى. لكن، وكما ذكر، وقع المصلحون في الشيء الذي حاربوه، وانتقلوا من زوايا الدروشة إلى زوايا ذات طابع سياسي، وانتقلوا من الحروز التي سحرت عقول الناس لقرون، إلى حروز أوراق الانتخابات، فانتقل الناس من تصديق معجزات الدراويش الكاذبة إلى تصديق معجزات حزبية سياسية كاذبة.

انتقلت الجزائر من دروشة قديمة إلى دروشة جديدة، من صنم الجهل إلى صنم السياسة، من خرافات الشيوخ إلى خرافات السياسيين. فقد تناسى المصلحون أن المستعمر ما كان ليحتل شعبًا لا يحمل في روحه قابلية للاستعمار، وأن خلع تلك القابلية لا يكون إلا بعلاج الروح، وليس بالبهرجة والجاوي الخرافي من جهة، والسياسي من جهة أخرى.

إن فخ ولوج السياسة وخطاباتها نقل لسان المثقفين من الشعور بمسؤولية النهضة وتقييم الفكرة والدفاع عنها، إلى مجرد "كاسيت" لأشخاص يلوون ألسنتهم ليطالبوا بحقوقهم. فانتقل الفرد من السعي لإقامة واجباته إلى المطالبة بحقوقه، في ظلّ ما تسمح به السياسة والظروف. فعاد الناس إلى الوثنية، في تقديس وتملّق من يطالب بحقوقهم، وتخلّوا عن القيام بواجباتهم.

اختلفت الرؤية عند المصلحين المسلمين؛ فمنهم من كان يرى الإصلاح ضمن السياسة كجمال الدين الأفغاني، ومنهم من كان يراه خارجها، بالوعظ وتصحيح العقيدة كتلميذه محمد عبده.. وكلاهما لم يُعالجا المرض، بل كانا يتحدّثان عن أعراضه. لأن الشعوب المسلمة المعتلّة كانت تعاني من خليط من الأمراض: الاستعمار، والأمة، والكساح العقلي.. فلا يمكن بحال اختيار دواء واحد لعدة أمراض.

لم يكن من العقل أن نضع ستارًا بين حضارتنا الفتية التي تصنع نفسها، وحضارة مكتملة تحوطنا من كل اتجاه. فكان علينا لزامًا الاستعانة بها واستخدامها دون الغوص فيها، ففي كل الحالات، هي في بيوتنا وحجراتنا.

وبما أن التاريخ يعيد نفسه، فعلينا إلزامًا تحديد مكانتنا من التاريخ لنعرف من أين تبدأ النهضة. فالحلول التي تأتي بإغفال مكانة الأمة ومركزها الحالي لن تؤتي نفعًا، وكذلك تلك التي تُستورد من الغرب، فهي جهل وانتحار. فطريق النهضة كطريق السفر، يجب فيه معرفة الوجهة ومعرفة الزاد اللازم. يقول: الحضارة كالشمس.. تتنقّل وتُضيء الشعوب، والسُذّج هم من يقولون: "يا شمس قفي".

ما من حضارة إلا وتستمدّ نورها من وازعها الديني كنقطة انطلاق. لذلك كانت جزيرة العرب قبل نزول الوحي منطقة قفار، فيها عامل البعث الحضاري وهو الإنسان والتراب والوقت، لكن أهم عامل، وهو الروح، كان غائبًا عنها. لذلك لم تُقِم شيئًا. وعند نزول الوحي، انقلب فَس هؤلاء البدو والرعاة إلى نور يشعّ.

ولكن عندما فقدت الأمة شعلة الروح الأولى، في ليلة معركة صفّين، انتقلت أو لنقل عادت من سموّ الروح إلى العقل والتخطيط والمنفعة. فتقهقرت إلى المادّة ونسيت أصل البعث الحضاري الذي يقابل هذه المساعي الجديدة. فقد كان نور الإيمان يطفو ويشعّ فوق رؤوس الناس مؤثرًا حتى بلغ منتهى الأرض، من الصين إلى المحيط. وعندما فقد براءته الأولى، راح ينزل شيئًا فشيئًا إلى الأرض، فامتزج بالمادة، ولم يعد تأثيره كما كان. وهي نفس مراحل المسلم الذي بدأ مؤمنًا وانتهى إنسانًا بدائيًا... أي أنه انتقل من الفكر إلى السياسة بلغة العصر.

لم تعرف الماركسية شيوعًا إلا من مبعثها المسيحي عند الناس، وإن لم يكن ماركس نفسه مسيحيًا، لكن الفكرة ما كانت لتنتشر عند المسيحيين لو لم يجدوا لها مصوّغًا دينيًا. وإن المسيحية لم تستطع التوغّل بين اليونان والرومان وغيرهم من المتشبّعين بحضاراتهم وفكرهم، بل فعلت ذلك عند قبائل الجرمان، الذين كانوا بدائيين حتى نزل عليهم هذا المعتقد الذي أعطاهم شعلة حضارية أناروا بها أوروبا، وبنوا على أثرها معابد القوط، وأسسوا السلالات مثل الكارولنجيين والميروفنجيين.

باقي الأفكار لا يمكن تلخيصها لأن مالك بن نبي شرع في الاستشهاد بعلماء الاجتماع الغربيين بشكل متتابع لصفحات طويلة، لذلك يستحيل بتر فكرة عن سياقها العام، وبهذا وجب العودة إليها نصًا لا تحليلًا.

عماد الدين زناف 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق