ولد الأمير عبد المالك بن محي الدين بن الأمير عبد القادر الجزائري سنة 1868 في دمشق، حيث نشأ وتلقى تعليمه وتدريبه العسكري ضمن الجيش العثماني، وذلك حتى نال رتبة عقيد في نهايات القرن التاسع عشر. بصفته ينتمي إلى عائلة الأمير عبد القادر، فقد ظل محل اهتمام القوى الاستعمارية والإمبراطوريات الكبرى المتنافسة، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا والدولة العثمانية، خاصة مع اقتراب اندلاع الحرب العالمية الأولى.
بعدما فشل في التوغّل في الداخل الجزائري، تسلل الأمير عبد المالك الى المغرب الأقصى فعُيّن قائدًا لقوات الشرطة في طنجة من طرف الحماية الفرنسيّة فيها، وذلك بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906، حيثُ حاولت فرنسا استغلال نسبته للأمير لاستمالته ومنع ميل المهاجرين الجزائريين لألمانيا أو الدولة العثمانية. إلا أن الأمير عبد الملك كان به بُعد آخر، وبيّن عدم رضاه بذلك المنصب، حيث اعتبره دون طموحه. بل إنه قد أبدى علانية استياءه من العراقيل الفرنسية، كما نقل عنه الصحفي البريطاني الشهير جون هاريس من جريدة The Times.
في الفترة من 1906 إلى 1914، كانت طنجة ومنطقة الريف عمومًا ساحة للمؤامرات بين القوى العظمى، خاصة فرنسا وألمانيا إضافة للمضايقات الإسبانية. ومع بداية الحرب العالمية الأولى، تحرك الأمير عبد المالك بخطة طموحة أظهرت نواياه. فقد كان على اتصال سرّي بالألمان، وقد أبلغهم مسبقًا بقرار فرنسا طرد ممثلي القوات المغربية المركزية من طنجة الريفيّة. وبعد أشهر من التحضير، أرسل عائلته إلى إسبانيا وأعلن الثورة ضد فرنسا في مارس 1915.
بدأ الأمير ثورته من منطقة تازة، شمال شرق فاس، وكان هدفه إقامة دولة مستقلة وتنصيب نفسه سلطانًا على المغرب الأقصى، وخطّط بأن تكونَ فاسًا عاصمة لها. دعمته القوى المركزية، لا سيما ألمانيا والدولة العثمانية نِكايةً في فرنسا، وذلك بالسلاح والعتاد، كما أيدته إسبانيا سرًا لأن اضعاف الأطراف الأخرى يخدمها. أدار الأمير عبد المالك اتصالاته مع الثوار الريفيين المحليين، وتلقى دعمًا مهمًا من الأمير عبد الكريم الخطابي، الذي كان آنذاك موظفًا في الإدارة الإسبانية بمليليّة.
إن عبد الكريم الخطابي لعب دور الوسيط بين عبد المالك وألمانيا عبر إسبانيا، وساهم في تنظيم الدعم اللوجستي له. وفي رسالة سنة 1916 إلى أخيه الأمير علي (الذي كان يتحرك بين برلين وجنيف واسطنبول لنقل رسائل الأمير ونشرها في الصحف الأوروبية، خاصة وكالة وولف الألمانية)، عبّر عبد المالك عن خطته للاستيلاء على الدار البيضاء وجعلها عاصمة جديدة.
ففي ديسمبر 1914، بدأت الصحف الأوروبية تنقل أخبار ثورته. ذكرت جريدة Tribuna الإيطالية أن الأمير عبد المالك استولى على تازة بجيش قوامه 15 ألف مقاتل وهاجم الدار البيضاء، وكبد الفرنسيين خسائر فادحة. أما الصحف العثمانية، ، فقد نشرت بيانات دعايات منسوبة إليه بكونه "أمير المغرب الأقصى" وأن المجاهدين يتقدمون والشعب يستقبلهم بحماس.
كانت فرنسا ترى فيه تهديدًا جديًا. ووفقًا لهاريس، فقد تلقى الأمير تمويلًا ضخمًا من الألمان، وكان يتمتع بسمعة قوية بين السكان، ما ساعده في تجنيد الكثير من المجاهدين.
أشار الدبلوماسي البريطاني ج. هـ. سيلوس، الذي خدم في فاس، إلى أن عبد المالك بدأ مقاومته منذ فرض الحماية الفرنسية على المغرب، ووصفه بأنه كان مؤمنًا بأن دوره التاريخي قد آن.
بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وهزيمة الألمان والعثمانيين، لم ينهزم عبد المالك، بل سعى لتحالف وحيلة جديدة. ففي عام 1921، عرض خدماته العسكرية على إسبانيا فقبلت، وجعلت منه مسؤولًا عن تجنيد الجنود المغاربة. لكن فرنسا احتجت، وذكّرت إسبانيا بأن الأمير أعلن الجهاد ضدها، ما دفع الأخيرة إلى التراجع عنه.
في عام 1924، قاد عبد المالك حملة جديدة في دولة الريف بعد أن نجح في تجنيد عدد كبير من المقاتلين. لكن تلك الحملة كانت الأخيرة، إذ سقط ميّتًا سنة 1924، لتنتهي بذلك آخر محاولاته لإقامة دولته.
بعد عامين، نُفي الأمير عبد الكريم الخطابي إلى جزر القمر إثر سقوط ثورته وسقوط دولة الريف معًا.
عماد الدين زناف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق