التخطي إلى المحتوى الرئيسي

2124 سنة من الفشل




2124 سنة من المحاولات اليائسة للمغرب الأقصى.

                 | مقال تاريخي | • عماد الدين زناف 

المغرب الأقصى هو أكثر بلد حاول التوسع، في جميع القرون، وانهزم في كل محاولاته ولم يتعلم من الدرس.  
بدايةً مع بوخوس الذي خان يوغرطة سنة 100 قبل الميلاد، فسلمته روما شيئا من الأراضي النوميدية، لكنه لم تدم سوى لفترة قصيرة.  بعدها اختفى المغرب الأقصى حتى دخلت القبيلة الأوراسية أوربة إليه في عهد كسيلة واستقرت هناك، وهي من بايعت إدريس الأكبر وساهمت معه في تشكيل دولته. بعدها، توالت الهجرات الزناتية والصنهاجية من المغرب الأوسط إلى الأقصى على أثر الصراعات. تشكلت دويلات امتدت إلى المغرب الأقصى، وهي ذات أصل زناتي، على غرار مغراوة ومكناسة، وكما يقول ابن خلدون، المغرب الأوسط هو وطن زناتة. حاولت جميع الدويلات الناشئة في المغرب الأقصى ضم المغرب الأوسط -على أساس أن اصولها تعود إليه- من الأوراس والزاب والونشريس والحضنة والتوارڨ ومنقطة وهران وطرارة وهنين، إذا، كانوا يعتبرون أنفسهم "أصحاب حق" في ضم أرضهم إلى دولتهم في الأرض الجديدة (المغرب الأقصى)، فقد كان من المستحيل أن يعودوا إليها كسلاطين، بل طائعين مبايعين للحكام فيها، لأن المغرب الأوسط سريعا ما كان يظهر فيه ملوك وقبائل قوية تسيطر على المنطقة كلها وتتوسع هي الأخرى شرقا وغربا.  تجلت محاولات توسع الزناتيين الذين هاجروا إلى المغرب الأقصى في الدولة المرينية، إذ تكررت محاولاتهم وحصارهم لتلمسان بين أخذ ورد، أشهرها ﺳﻨﺔ 1290م. ولم تكن سيطرتهم عليها سوى لفترة ضيقة حتى يسترجعها الزيانيين. وبني عبد الواد وبني مرين أبناء عم في حقيقة الأمر، فكلاهما من زناتة بن مادغيس في المغرب الأوسط، لكن الحكم لا يترك للقرابة مجالا للحكم الواحد والموحّد. 
عندما سقط المرينيون، سنة 1465م، ظهر السعديون، وبقيت دولة بني زيان إلى غاية 1556م والدولة الحفصية إلى غاية 1574م متماسكين لبعض الزمن لكنهما كانا متهالكين، إذ كانت قد فقدت (الدولة الزيانية) الكثير من أراضها إثر الغزو الإسباني على سواحلها،  وكانت السعدية سنة 1509م في أوج الدعوة والقوة تسعى كسابقتها للتوسع شرقا.  لكن ولأن الدعوة السعدية على خلاف من سبقها، لم تقم على أساس الأصل الزناتي، وإن كانت هناك محاولات فاشلة لنسب النرينيين لآل البيت، إلا أن دعوة السعديين كانت على ذلك الأساس حصرا، ونجحت في تجييش الناس من جديد باسم الأحقية في الخلافة لأنهم أبناء علي وفاطمة  عليهما السلام ضد الدولة العثمانية التي لا تملك نفس هذه المكانة. وبعد سقوط الدولة الزيانية وعودة  كل الأراضي النوميدية شرقا وغربا للسلطة المركزية في الجزائر العاصمة كما كانت في الأصل، وتوحدت الدولة تحت اسم إيالة الجزائر، ظهر صراع جديد قديم بين الجزائر والدولة السعدية، صراع متوارث لتطبيق حلم التوسع شرقا الذي سيبقى مستحيلا.  بدأ الحاكم السعدي حملته سنة 1551م على تلمسان لكنه هزم على يد حسن باشا، بعد سنوات، هاجم صالح رايس فاسًا وانزهم فيها محمد الشيخ سنة 1554م وكان آخر صراع كبير بين السعديين والجزائريين بلا نتيجة تذكر للمغرب الأقصى.  بعد سنوات، سقطت الدولة السعدية وقامت دعوة العلويين مطابقة تماما لدعوة السعديين، نفس اسطوانة آل البيت والدين والخلافة والتوسع.  أول محاولة كانت لاسماعيل بن الشريف في حملة الشلف سنة 1679م وانهزم أمام الحاكم محمد التريك، ثم معركة ملوية سنة 1692م وانزهم أمام الحاكم الحاج شعبان، ثم سنة 1701م في معركة الشلف. انهزم أمام الحاكم الحاج مصطفى، وآخرها حملة وهران سنة 1707م وانهزم أمام مصطفى بوشلاغم.  وبالتالي لم ينجح العلويون كذلك في أي حملة على غرار السعديين والمرينيين قبلهم. في خضم ذلك كان المغرب الأقصى منقسما بين سلطة فاس ومراكش، ولو تآمرت عليهم الجزائر كما تآمر عليها السعديين لما بقيت لها باقية.  وعندما سقطت الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي، وقع الأمير عبد القادر في خيانة العلويين، ذلك أنهم تارة خشوا من نجوميته، وتارة خشوا من انتقام فرنسا منهم إذا ساعدوه،. بالتالي خضعوا خضوعا تاما، ما جعل فرنسا تهديهم أراضٍ جزائرية قبل وادي ملوية، لتحاصر تحركات الأمير.
ولولا قدوم الحماية الفرنسية التي جمعت شمل المغرب الأقصى سنة 1912م،  الذي كان يعيش في نظام شبه فيدرالي، السوس له حاكمه، فاس تدين لحاكم، مراكش كذلك، الريف كذلك.. أما الحاكم العلوي فهو رمز بلا تأثير حقيقي. وعند استرجاع السيادة سنة. 1962م، هاجم الحاكم العلوي مباشرة الجزائر، كتكملة لمحاولات كل الحكام والدول اليائسة التي سبقته، فيما سميت حرب الرمال، وحتى في أضعف حالاتها، كما كانت في عهد الدولة الزيانية، لم يتمكنوا من أي تقدم نحو الشرق، مؤمنين كفرا أن الجزائر عصيّة لا يمكن هزمها إلا بجمع أكبر عدد ممكن من الخيانات حولها.

مقال جديد
#عمادالدين_زناف   #استرجع_تراثك  #فلسفتنا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...