السبت، 7 مايو 2022

تحول الذكاء إلى غباء


عندما يُصبح الذكاءُ غباءً!

كثيراً ما نُخلطُ بين الحكمة والثقافة والقدرة على الفهم والتركيز والقدرة على الحفظ والإدراك وغيرها من الأمور التي نجمعها غالباً في "الذكاء". من الصّعب ان نُعرّف الذكاء بالمُطلق، فكلّ العلوم تُعرّفه بنظرتها، علم الأعصاب مثلا يُعرّف الذكاء بأنهُ القدرة على الحركة العصبية السريعة في الدماغ، ما يُنتج استيعابا سريعا للأمور، في البيولوجيا، الذكاء هو القدرة على التعايش في أحلك الظروف الطبيعية، في السياسة، الذكاء هو القدرة على الاستشراف والتوقع، القدرة على تحليل الاحداث الماضية، واسقاطها على الحاصر ومن ثم الانطلاق وتوقع الأمور المقبلة، وذلك يعتمد على أدوات أخرى زيادة على الذكاء، مثل المطالعة. 
في الفلسفة، الذكاء يكمن في المهارة في طرح الأسئلة واعطاء الأجوبة، القُدرة على الإقناع. أما في علم النفس، فالذكاء متفرّعٌ كثيراً، ذلك أن علم النفس يفكك الذكاء بين المكتسبات والأمور التي نتعلمها، بين المهارات وبين الخداع، بين الذكاء الرياضي والذكاء الاجتماعي والذكاء العلمي، والذكاء العاطفي، والذكاء التربوي عوالم وتباعد، ذلكَ أنّ الذكي علميا ليسَ بالضرورة ذكي اجتماعيا، فقد يكونُ مصاباً بالتوحّد، أو برهب الجمهور. وحتى دون أمراض، لا يمكن للفرض أن يكون متمكناً في كل شيء، أي، لا يمكن أن يكون الذكاءُ شاملاً في شخص واحد، على كل خاصيات الحياة، بينما يمكن للفرض أن يستخدم أساليب الحجب أو التخفي، أي إخفاء عيوبه بقدر ما أمكنه. 
معرفة الأشياء، الثقافة العامة، لا تجعل من الشخص ذكيا، لنَقُل أن معرفة الأشياء، لا تُغيّر فعليا من الذكاء الطبيعي في الفرض، بل تُغيّر في "قدراته الاجتماعية"، الوعي بأننا لسنا بالقدر الكافي من الذكاء، في علم الاجتماع، هو ذكاءٌ في ذاته، ذلك انه يجعلنا لا نقع في المآزق والاحراجات. أي، الإدراك، إدراك الذات والأشياء، والوعي بالذات، والمحيط، أعلى من الذكاء في علم الاجتماع. 
هل يتطلّب الوعي ذكاءً؟ نعم، لكنّه لا يتطّلّب ذكاءً حادّاً، ذلك أن الذكاء الحاد، ينتقل من الملاحظة إلى الإنتاج، فالذي "أراد" ولم يستطع أن ينتقل من النظر إلى الإنتاج، يعتبر متوسّط الذكاء. ذلكَ أن الإنتاج يحتاجُ ذكاءً في عوالم أخرى، التسويق ودراسة المستهلك.
إذا، حفظ الكتب، وجدول الضرب، وأسماء البوكيمونات، وجدول ماندلييف، تُعتبر مهارة وليست ذكاءً، قد يكون للحافظ مهارة الحفظ إضافة إلى الذكاء، أي، القدرة على ترجمة ما حفظة بأسلوب جيّد. 
الشهادات الدراسية أيضاً ليست امتحانا للذكاء، بل هي امتحان لمهارة الحفظ، خاصة في البلدان التي ما تزال تعتمد على الحفظ الأعمى وليس على الامتحانات التجريبية مثل الدول الإسكندنافية وكوريا وسنغافورة، فليست كل الدراسات متشابهة في العالن، وهذا ما يخلق التفاوتات والجودة في الشهادات. 
الذكاء ليس بذاكرة، فلا يمكن اعتبار الآلة التي تحفظ المعلومات مثل - فلاش usb - شيئا ذكيا. 
إذا أردنا ان نغامر ونعرّف الذكاء بشكل مُبسّط، فيمكننا القول إلماما أنها القُدرة على تحليل الأشياء واستيعاب التعقيدات واستشراف القادم في وقت سريع، بحيث يمكن اسقاط العمليات الثلاث في أي مهنة. 
الذكاء أيضا هو القدرة على التوقع، توقع لكمات الخصم، توقع حدوث كارثة جراء تصميم سيء، توقع نزول البورصة، توقع سقوط الرضيع، توقع نجاح أحد المجتهدين، توقع تفكك أسرة، أو اتحاد زوجين، وغيرها من الأمور اليومية التي تحتاج لمّاحاً. 
الذكي هو همزة وصل بين السذاجة والعبقرية، لماذا؟ لأن العبقري قد يصبح ساذجا، والساذج قد يقوم بفعل عبقري دون قصد، لكن الذكي يعي ما يقوم به، دون قدرات العبقري، وفوق سذاجة الأحمق. 
المقارنة والتمييز بين ذكاءٍ وآخر هو ضربٌ من السذاجة، ذلك أننا لا نختار رزقنا ( ما رُزقنا الذكاء فيه )، وكذلك، لو كانَ هناك ذكاءٌ أحسن من الآخر، لفقدت الحياة توازنها كليا. لذلك أسخر أشد السخرية من هؤلاء الذين يعتمدون على جدول درجات الذكاء ليحتقروا الافريقيين، غير أن لو وضعنا الشمالي في ظروف الجنوبي، لما استطاع العيش، فكذلك يحدث للجميع، لكلّ مجتمع ذكاء يتناغم مع أرضه وجوّه وحاجياته، ومن لا يملك ذكاءً لا يحتاجه لأسباب بيولوجية وتاريخية واقتصادية وثقافية، فهذا لا يعني أنه أحمق. 
  تستطيع أن تحمل درجة 180 في سلّم الذكاء، وتقف عاجزا على فعل أي شيء أما عطل في الثلاجة، في تيه الغابة، في علاقة حب. 
طيّب، متى يصبح الذكاءُ غباءً؟ باختصار، عندما تُصبح عملية الذكاء نهاية وهدف في ذاتها، وليس وسيلة لحلّ القضايا المعقدة وتسهيل الحياة. هناك من يحطمون أدمغتهم في محاولة تعقيد حياتهم، ظنا أنه ضربٌ من الذكاء، غير أن دور الذكاء هو عكس ذلك، لا يتماشى الذكاء وتعقيد الأمور، إطلاقاً.
الذكاء في تيسير كل شيء، في تسهيل الحياة، لاحظوا، كل الاختراعات ساهمت في تسهيل حياة الإنسان، حتى لو تعقدت الأمور من جوانب أخرى، فذلك نتاجاً وليس هدفاً، فكما يقول ابن خلدون الرخاء والترف ينتج الفساد حتما. 
التفكير غير الهادف، الحديث والثرثرة، محاولة التشويش على الذات، كلها بعيدة عن الذكاء، بل هي جلدٌ للذات، وبها، نصاب بأمراض عصبية وبعزلة اجتماعية، وفي بعض الأحيان، نزيح إلى التطرّف والعدوانية.
تذكّروا هذا، لا تجعلوا من الذكاء حجة للتُعس، فالذكاء وسيلة لصد الجهل و تيسير الأمور المعقدة، وليس لصناعتها.

المقال286
#عمادالدين_زناف 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق