الأحد، 3 أغسطس 2025

الفلسفة في الجزائر



كيف دخلت الفلسفة أرض الجزائر؟ 
مقال عماد الدين زناف 
من مقدمة كتابي: فلسفتـنا.

إن ترميم الفلسفة والفكر الاجتماعي ليسَ بالأمرِ الهيّن، وقد يكون موضوعا يفتحُ لنا تناقضاتٍ في ذاته، ويفتح صناديق مخفية تَكنُز قضايا قد أُهمِلَت. فقد يُقال إن لكل مجتمع فكره الخاص، وكذا فلسفته التي لا يمكن أن تتغير، إذ هي خاضعة للمناخ والأرض وخاضعة لتراكمات العامل الوراثي والظروف السياسية والاقتصادية .  
ملاحظةٌ مهمّة، لكنها غير كاملة، أو لنقل أنها لا تُلْقي علينا نظرةً زمنية فوقية، وتحليلا دقيقا. فالذي يريد أن يدرس فلسفةَ مجتمع معيّن، عليه ألا يكتفيَ بما يراه في حاضره، خاصةً إذا أراد أن يسترق النظر وراء الأستار ليرى مستقبله الافتراضيّ، ولنقل، لينظًرَ مصيرهُ، وبالتالي إذا أردتُ أن أضع الفلسفة الجزائرية تحت المجهر، فعليّ أن أنظُرَ إلى تاريخ الفلسفة الجزائرية، وبذلك، على أن أعودَ إلى أقدم دولَة عرفتها هذه الأرض الشاسعة، لكي ننظر معًا حال ذلك المجتمع وعلى أي فِكرٍ نشأ، ولمَ اختارَ منهجًا أو منهجيّات مُعيّنة، وما الذي جعله على ما هوَ عليه اليوم، وهل هو تطوّر منطقي لهذه الفلسفة أم هو نتاج عوامل؟ أو أنه تطوّر مُنقَطع غير متّصل ولا متواصل؟ وهل نملك صفات مشتركة تُثبت ترابطنا الوراثي بأهل ذلك الزمان بخطّ مستقيم؟

الحديث عن الفلسفة الجزائرية لا يمكن أن يخضع لعمل متقصّي وجادّ، دون أن يتطرّق لمحيط ذلك المجتمع الأول في هذه المنطقة الجغرافية الوَعِرَة، فلستُ من الذي يقولون أن الحضارة تولد في مكانٍ ما سقوطًا من السّماء، بل هو لا ريبٌ تتباع وشُعلات في اليمين واليسار، تنطفئ بعضها وتمضي الأخرى. إذ عرفت هذه المنطقة الجغرافية (الجزائر الحالية) شُعلات فكريّة وفلسفية في الآن نفسه الذي كانت تعرفه مناطق أخرى مجاورة، خاصة في ليبيا، ومنها سنعرف بوادر الفلسفة الأولى المتعلقة بقارة إفريقيا. فقد عرفت منطقة شمال إفريقيا بروز عدّة فلاسفة تزامنا مع ما يسمى بفلسفة ما قبل سقراط ، وقد قدَّم هؤلاء الفلاسفة ما قبل السقراطيين تفسيرات مُعظمها ماديَّة للظواهر والأشياء الطبيعية والإنسانية، ورفضوا التفسيرات الخارقة للطبيعة أو ما وراء الطبيعة وأكَّدوا أنَّ الكون وحدة متكاملة منسجمة يمكن أن تُفهم بأسلوب عقلاني بحت. وقد تميَّز ذلك التيار الفكري باهتمامه بمجالات البحث الفلسفيَّة الرئيسيَّة مثل الكون وتركيبته الأولى وحركته من سكونه وتمدده من تقلّصه والأرض وما عليها من شكلها إلى التجاوب بين المخلوقات فيها، وكذا البنية والوظيفة للنفس البشريَّة، والقوانين الرئيسيَّة التي تحكم الظواهر الطبيعيَّة الملموسة والتصرفات والأخلاق البشرية. 

ولم تكن منطقة شمال إفريقيا مُنفصلة عن اليونان القديمة والإمبراطورية الرومانية، فقد كانَ لهذا الاحتكاك الحضاري الذي يمكن أن نسميهِ امتدادا جغرافيا نظراً للتقارب القاري، وكذا المدّ الاستعماري الحضاري الذي يدخل في نطاق المنطق الاجتماعي في ذلك الزمن. فقد كان لهذا دور هام في بناء الأسس الفكرية في هذه المنطقة الجغرافيّة التي تتميّز باختلاف ملموس عن مناطق جنوب أوروبا، بما أن إفريقيا تعرف تزاوجًا بين الماء والجبال والصحراء. وقد خلّد لنا التاريخ بعض الأسماء الليبية أمثال أريستبوس وكارنياديس الذين جاءوا بُعَيدَ أعمدة الفلسفة الإغريقية مثل طاليس وفيتاغورس وبعد سقراط. وبالرغم من أن المأثورات التي وَرَدت عنهم تكاد تكون شحيحة إن لم نقل مندثِرَةً، إلّا أن بعض الفلاسفة الرواقيون والأبيقوريون والسوفسطائيون ومدرسة المشائيين قد خلّدوا أسماؤهم بطريقة ما مع الكثير من أفكارِهم، غير أنها تبقى ضبابيّة وغير قائمة بذاتها.
والمعنى الذي أرمي إليه هنا أن في هذه الحقبة، ليس هناك من فلسفة إفريقية بعدُ انطلقت من عقل سكان التراب الإفريقي، فقد كانت الفلسفة في تلك الفترة مثل الغمام الذي يجري فوق تلك الأرض، ولكنه لا يستقرّ بها.

في المرحلة الثانية، بدأنا نلتمس بوادر الاستقلال الفكري للفلسفة الشمال إفريقية عن اليونان وروما، والتي كانت متأثرة تأثيرا تاما بالفلسفة الإغريقية. غيرَ أن الفلسفة الرومانية كانت فلسفة عمليّة وفلسفة مُترجمةً في الواقع المعاش، عكس الفلسفة الأم، التي كانت في معظمها فلسفةً نظريّة وكذا ذات بعد كوني ورياضياتي وهندسي واستكشافي لكنه غير امبريالي ولا توسعي. وبطبيعة الحال، تغيّرَ المفهوم الفلسفي لذا شعوب ليبيا وتونس والجزائر القديمة من النظري إلى العملي أيضا، وهذا ليس تقليدًا للفلسفة الرومانية، إنما هو بداية النشاط الحضاري العالمي الذي انتقل إلى المرحلة القصوى. 

 مع بداية القرن الأول ميلادية، عرفت منطقة مداوروش في ولاية سوق أهراس الجزائرية التي تُعْتَـبَرُ سليلة ما يسمى بالثقافة العاترية ، ما يلوح على أنها حركةً فكرية وفلسفية غير مسبوقة إلى جانب الحضارة القبصية ، وهذا في المنطقة كلها. 
 هذه المدينة الصغيرة عرفت حركة تجارية وثقافية كبيرة، ما جعلها أرضًا خِصبةً لنشأة فكرٍ مستقل، سواءً كان فكرا محلّيًا وَثَنَيًّا في عهد ملوك مثل صيفاقص وماسينيسا، أو توحيديًّا، كما جاءَ لاحقا مع القديس دوناتوس العظيم ، أو كان ذلك فكرًا دينيًا نصرانيًّا محضًا كما كان الحال معَ القديس أوغسطين. بين هذه التضاربات في شرق الجزائر الحالية، من بونة (عنابة) إلى طاغاست (سوق أهراس) إلى تبسة وصولا إلى سيرتا (قسنطينة)، عرفَ هذا النشاط الفكري نشأة أقدم جامعة في العالم بالقرية المدينة المسماة مداوروش.

بقية الكتاب هو كرونولوجيا التطور الفلسفي في البلاد إلى يومنا، بما في ذلك انعكاسه سياسيا واجتماعيا وثقافيا، مرورا بكل العصور. 

الكتاب متوفر عندَ مكتبة أدليس أو عبر رقم الواتساب مباشرة 0777892744
#عمادالدين_زناف #الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق