الجمعة، 25 أبريل 2025

سلطنة بِجاية واستقلالها عن الحفصيين


بجاية.. سلطنة الاستقلال في قلب الدولة الحفصية

بجاية، المدينة العريقة التي اشتق اسمها من قبيلة بربرية محلية، كانت تُعرف قديماً باسم صالداي. تقع بجاية في قلب الجزائر، ولم تكن يوماً سوى جزائرية، منذ أقدم العصور. فقد كانت جزءاً من مملكة الماسيل، ثم المملكة النوميدية، قبل أن تتقاسمها قبائل الحلف الخماسي، حيث حكمها عدد من الملوك والأمراء المحليين، من سلالة الملك الأمازيغي الشهير نوبل، من قصره المعروف بـالبتراء في بجاية.

ولا حاجة للإطالة فيما هو معلوم من تاريخ بجاية في عهدها الكُتّامي خلال الحقبة الفاطمية، ثم في عهد صنهاجة خلال الحكم الزيري، ولا في كيفيات بروزها كعاصمة سياسية وثقافية وعلمية للدولة الحمادية في المغرب الأوسط، بعد انتقال مركز الحكم من قلعة بني حماد بالمسيلة، زمن السلطان الناصر بن علناس، حتى أصبحت تُعرف بـ"الناصرية" نسبة إليه.

كما كان لبجاية دور محوري في نشوء دولة الموحّدين الجزائرية، حين التقى ابن تومرت بالتلمساني عبد المؤمن في قرية ملالة البجاوية، فانطلقت منها شرارة الدولة الجديدة. ولم تكن بجاية، حتى ذلك الحين، تعرف طريقاً إلى تونس، إلى أن سقطت الدولة الحمادية وتوزّعت البلاد بين دولٍ جديدة: المرينية في أقصى الغرب بأصولها الزابية الجزائرية، والزيانية في تلمسان، والحفصية في أقصى الشرق. وفيما بينها نشأت سلطنة بجاية، وهي موضوع هذا اليوم، الذي يُسقط أوهام البعض ممّن يحاولون استغلال الحقبة الحفصية لربط الشرق الجزائري بتونس — ويا للعجب، فالحفصي نفسه لم يكن تونسيّاً، بل لم يبق فيها ساعة حتى تعود مستقلة!

ولا يعلم كثيرون أن الدولة الحفصية كانت من أكثر الدول هشاشة واضطراباً سياسيًّا، فكان حكّامها جالسين على الإبر، لا يستقر لهم حال. في هذا السياق ظهرت سلطنة بجاية المستقلة، ككيان سياسي قوي منذ أواخر القرن الثالث عشر. وقد تأسست سلالتها الأولى على يد أمراء حفصيين متمرّدين على السلطنة الحفصية، التي تمركزت في بدايتها بتونس. هؤلاء الأمراء أسّسوا، بين الزيانيين والحفصيين، مملكة مستقلة حقيقية، عرفت فترات من الانفصال المتقطع، لكنها متقاربة ومتكررة.

وجد أمير بجاية نفسه على رأس مدينة ذات شأن ومكانة مرموقة؛ فهي عاصمة الحماديين القديمة، صاحبة هوية سياسية راسخة، وموقع جغرافي بحري استراتيجي جعلها بوابة المغرب الأوسط على البحر المتوسط. وقد كانت دوماً بعيدة عن مركز الحكم الحفصي في تونس، وغير معنية بما يدور هناك من صراعات. هذا البعد ساهم في نضج نزعة التمرّد، خصوصاً في فترات النزاع على الخلافة بين الأمراء الحفصيين أنفسهم.

وعند الغزو الإسباني، كان أمير بجاية ينتمي إلى سلالة آثب-عياد القادمة من منطقة الحضنة. واللافت أن حكّام بجاية وقسنطينة أسهموا بشكل كبير في إضعاف السلطة الحفصية، من خلال نزعتهم المستمرة إلى الاستقلال تارة، ومحاولاتهم المتكررة لضمّ تونس وساحلها إلى سلطنتهم تارة أخرى. فهؤلاء ينحدرون من سلالات حمادية ملكية، بخلاف تونس التي لم تعرف حُكماً محلّياً خالصاً.

هكذا، شهدت بجاية (ومعها قسنطينة) فترات استقلال بارزة خلال العهد الحفصي، تبادل خلالها البجاويون والقسنطينيون حكم السلطنة. وأبرز هذه الفترات كانت:

من سنة 1285 إلى 1309
ومن سنة 1312 إلى 1318
ثم من سنة 1358 إلى 1510

أي أن أغلب الحقبة الحفصية عرفت بجاية فيها لحظات من التمرد والانعتاق، مما يعكس مكانتها كعاصمة للغرب الحفصي، ومهدٍ للسيادة المتمرّدة.

ومن أبرز حكّام بجاية المستقلين، من جعل منها ميناءً مغاربياً هاماً، موصولاً بعلاقات تجارية وعلمية واسعة في المتوسط.

ولا ننسى أن في عروش تونس نفسها، أُضيف عرش بجاوة، نسبةً للبجاويين الذين استقروا فيها، وهم معروفون بالاسم واللقب، إضافة إلى المقرانيين، الذين ظلوا يعتزون بجزائريّتهم ويُقرّون بها علناً، مهما حاول البعض تحوير التاريخ.

المراجع
































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق