التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل نحن مستعدون للكمّ؟ (لا)




هل نحن مستعدون للكمّ؟ (لا)
مقال علمي فلسفي.

تعتمد الحَوْسبة الكمّية على مبادئ ميكانيكا الكم، وهي علم يخالف فهمنا التقليدي لاستعمال الكمبيوتر، وذلك من خلال السماح للجسيمات بأن تكون في حالات متعددة في نفس الوقت والتفاعل آنياً رغم المسافة بينها!

على عكس الحواسيب التقليدية التي تستخدم وحدات
 البت (0 أو 1)، تعتمد الحواسيب الكمّية على وحدات الكيوبت، التي يمكن أن تكون 0 و1 في آنٍ واحد! بفضل خاصية التراكب الكمّي، وعند دمج هذه الخاصية مع التشابك الكمّي، يصبح من الممكن تنفيذ حسابات متوازية بسرعة غير مسبوقة.

لتمثيل هذا، تخيل شخصا يخل معادلة بيده اليمنى، ومعادلة أخرى بيده اليسرى، وعيناه تقوم يحساب معادلة ثالثة، في نفس الوقت.

والمثال الواضح على هذه القوة هو البحث في قواعد البيانا، فبينما يحتاج الحاسوب التقليدي إلى فحص كل إدخال واحدًا تلو الآخر، يمكن للحاسوب الكمّي، باستخدام خوارزميات متخصصة مثل خوارزمية جروفر، استكشاف عدد هائل من الاحتمالات بشكل متوازٍ وتعزيز فرصة العثور على الإجابة الصحيحة في وقت أقل بكثير.

 هذه القدرة الفائقة تتجاوز تمامًا الفهم التقليدي المبني على المنطق الثنائي، بل هي تخترق الفهم التقليدي لعمل العقل، لذلك، فإن العقل لن يجاري هذا، وسيصبح الإنسان مجبرا على وضع ثقته الكاملة في النتائج الآلية، لأنه لن يلحق زمنيا لفهم كل شيء، الحاسوب الكمي سيبقى متقدمات بسنوات طويلة، حتى وأنت معه في نفس الغرفة.

إن هذا التطور، الذي وضعت أسسه، لكن العالم لا يزال غير مستعدا له, يثير تساؤلاً..

- كيف سنتمكن نحن البشر -كما أسلفت- من إدراك وفهم هذه الإمكانيات الجديدة؟-

 لن يكون الحاسوب الكمّي أداة يمكن التعامل معها بسهولة كما هو الحال مع الحواسيب التقليدية، بل سيعمل كصندوق أسود يقدم نتائج دون أن نتمكن دائمًا من استيعاب كيفية الوصول إليها، ودون أن نتمكز من طلب الشرح والتفسير.

 ستصبح أنظمة التشفير الحالية عديمة الجدوى، لأن الحواسيب الكمّية ستتمكن من فك الشفرات الأمنية في وقت قياسي، مما سيغير جذريًا مفاهيم الأمن السيبراني كذلك.. ومن جهة أخرى، فإن التقدم في مجالات مثل التنبؤ بالطقس، والكيمياء، والذكاء الاصطناعي سيكون ثوريًا وبوتيرة قد تكون أسرع مما نستطيع استيعابه، لذلك كل المؤشرات تفضي إلى أنه سيصبح أقوى من اببشر ويستقل عنهم، ليس لأن به جن أو روح، بل لأن البشر صنع طاقة أكبر من حجمه بكثير، صنع شيئا لا يفهمه.

الخطر الأول يكمن في ضحالة عقل البشر في ذلك الزمن، فكلما ازدادت قوة التكنولوجيا واستقلاليتها، قلّ احتياجنا للتفكير الذاتي.. وإذا أصبحنا نعتمد كليًا على هذه الآلات في اتخاذ القرارات وحل المشكلات المعقدة، فقد نصبح أقل قدرة على الفهم والتفكير النقدي، بل وسنصبح أكثر غباء من أي فترة زمنية سابقة، هل يعقل أن نصبح أغبياء في فترة يتم اختراع فيها أكبر تكنولوجيا منذ خلق الأرض؟ نعم.

إذا كنا اليوم، مع استعمالنا لشات جيبيتي وبعض المواقع والتطبيقات، أصبحنا أقل كفاءة للفهم والحفظ والتركيز.. فما الذي سيحل بنا عندما سنصل لزمن لا نضطر ليه حتى للمشي أو الكلام مع الآخر؟ فهل سنصبح معاقين لقلة استعمال بعض الأطراف والأعضاء؟ هل ستنقرض بعض المصطلحات بفعل انقراض بعض الأفعال؟  هل سيتغير شكلنا الفيزيولوجي بسبب  التخلي عن كثير من الحركات؟ ..

 لكن أهم شيء الآن، مستعجل جدا، هو أن نعرف ما إذا حل هشام كوك قضيته الشخصية، وإذا ما كان أستعمال الانترنت في مؤسساتنا شيئا مهما.

#عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...