الاثنين، 6 فبراير 2023

The matrix المصفوفة- جون بودريار




أعودُ بكم لـ the matrix مجددا في هذا المقال،  لشرح العالم الوسطي الكائن بين الحقيقة والخيال،  تحليل مُفصّل لكتاب simulacres et simulation، الكتاب الذي يجب أن يطالعه الجميع.
يُعد كتاب المُصطَنع والاصطناع لجون بودريار هو الكتاب الأب والأم وكل ما يوحي للأبوّة لفكرة المصفوفة الذي ركّزتُ عليها كثيرا هذا الأسبوع، وكذلك في كتابي الشفق سابقا. لكنني لم أضع تحليلا مخصصا للكتاب عينه، وها قد أتت الفرصة لتأخذ فكرة عمّا فاتك، إذا لم تكن قد اطّلعتَ عليه بعد.  قبل الحديث عن الكتاب، عليّ الإشارة أن فكرة فيلم ماتريكس برمّتها جاءت من رحم أفكار هذا الفيلسوف الفرنسي، الذي ينتمي بشكل أو بآخر للفلسفة التفكيكية، وبشكل عام لمجموعة الـfrench theory الذين خصصتهم بمقال في السابق يمكنهم مطالعته في مدوّنتي.   يبدأ فيلم ماتريكس بمحادثة كتابية بين من ستُعرف لاحقًا بـ ترينيتي، واندرسون (نيو)، في نفس ذلك المشهد يظهر لنا في الشاشة كتاب & simulacres   simulation،كإشارة واضحة لصاحب الفضل في هذا التحليل الخطير لما سيصبح عليه واقعنا اليوم.  في نفس المشهد، رأينا إشارة ثانية عبقريّة، وهو أن نيو استعمل ذلك الكتاب كصندوق يخفي فيه أقراصه وبعض المال، وذلك بصناعة فراغ من صفحاته، أما الصفحة المقابلة فهي تتحدّث عن "Nihilism العدميّة" التي هي تمثل خلفية كل هذا العالم الجديد. لحدّ الآن ما زلت أتحدّث عن الأمور الشّكليّة، لأن فيلم ماتريكس لم يكن وفيا لفلسفية وتحليل بودريار، كما جاء في تصريحاته قبل وفاته سنة 2007.  الحديث اليوم عن الكتاب وليس عن فيلم ماتريكس، لكن علي أن أجيب سريعا لمَ لم يكن ماتريكس وفيا في أوّل ثلاثة أجزاء (الجزء الرابع الذي صدر سنة 2021 ورغم عدم نجاحه لكنه أكثر جزء وفيّ للكتاب والفكرة الأصيلة). بشكل عام، يقول بودريار أننا سنعيش في عالم لا نفرق فيه بين الحقيقة والخيال، بالمحاكاة التي ستشوّش علينا اليقظة والحلم. بينما في ثلاثيّة ماتريكس، عالم ماتريكس مستقل عن العالم الحقيقي، فلم يوفق المنتجون في ايصال ذلك التشويش، ما عدى الجزء الرابع كما أسلفت، أين لم يكن واضحا لنيو أين هو.  الآن وبعد أن انتهينا من الفيلم، سنتحدّث عن الكتاب. 
Simuclares هو الاصطناع، نعيش في زمن الرمزية، فالعديد من الناس ذهبوا ضحيّة القالب لما انتشر من منافع الباطن، كيف ذلك؟ في السابق كان الناس يشترون القهوة، ثم انتقلوا شيئا فشيء إلى أنواع عديدة من القهوة، ومن تمّ طغت عديد المؤسسات التي استحوذت على المجال (المقاهي) مثل starcbucks، فأخذت هذه المؤسسة وغيرها تغير من شكل ولون القهوة، ثم بدأت تُخلط القهوة بعديد الأشياء الأخرى، مع اعتقاد الناس أنهم يشربون القهوة، إلى أن تغيرت المادة الأولية من القهوة إلى خليط من الأسماء عند هذه الماركات العالمية. Simulation هي المحاكاة، والمحاكاة هنا تعني محاولة تقليد الطبيعة، بيدَ أننا نعلم أن المحاكاة عند أفلاطون تشوّه الطبيعة ولا تقلدها، وهي عند بودريار وسيلة للتشويش في رؤية الحقيقة، خاصة إذا لم يظهر الفرق بينهما عكس ما أراد فيلم ماتريكس اظهاره، أن تشرب القهوة ليس مثل أن تظن أنك تشرب القهوة، وأن تشرب القهوة، ليس كما تشتري "ماركة" تستحوذ على مادة القهوة، كل هذه اللعبة تدون بين المُصطنع والمحاكاة أو الاصطناع.  هذا بالنسبة للعنوان، أما عن الكتاب، فقد تحدث عن تدفق المعلومات الذي أفقد المعلومة مفهوميّتها وقيمتها. فقد تحدثت في منشور سابق عن خطورة تيك توك وأساليبه السريعة، وتداخل المشاعر والمشاهد المنهمرة كالشلال، الذي يجعلنا لا نعطي الحدث والمعلومة والعواطف حقها، ما يجعلها غير حقيقية، بل مجرد محاكاة لما هي عليه، لأنها تمر عبر عدة أشياء الكترونية، والتفاعل معها لا يكون سوى بنفس الطريقة الالكترونية.  الأخبار التي كانت تغزوا التلفاز والكمبيوتر لم تعد تُقاس مع تلك التي تغزو المواقع و الهواتف، مع قدوم ثورة الذكاء الاصطناعي، لم تعد القضية في المعلومة المشوشة والمدكوكة بشكل مزعج، بل في فهم المعلومة، لأن المعلومة دون معلم وشارح لها لا معنى لها ولن تُسفر عن تقدم معين للذي تمر من أمامه تلك المعلومة، يقول بودريار أن الكثير من المعلومات يقتل المعلومات، لأن هذا لا يتماشى مع أسلوب العقل الانساني في الوعي والادراك والهضم والتفعيل بعد ذلك. المحاكاة عوضت الواقع، مثلا صرنا نبحث عن الرضا الالكتروني أكثر منه الواقعي، فجعل الآخر يعتقد أنك في ايطاليا صار أحسن من الذهاب لايطاليا حقيقة، وفي يومنا، تستطيع أن تقول أنك هناك، مع إثبات ذلك عن طريق صناعة صور وفيديوهات مفبركة، وبالتالي لا حاجة لأي عمل حقيقي، واذا أسقطنا هذا لاشيء في أمور أخرى فسوف نجد أن من يريد أن يظهر كمفكر سيسرق أفكار غيره ويُحوّرها ليجعلها تبدو كأنها له، وإذا أردت أن استفزّ أكثر، سنرى أن الروايات لم يتبّق منها إلا القالب، ومنه تلك الإشارة الذكية من فيلم ماتريكس عندما صوّروا كتاب simuclares مُفرغا من محتواه، وفي مكانه أقراص ونقود. تشعّب المعلومات أفرغ الحياة من المعنى، لأن المعلومات أرقام متتابعة، لكن سريعا ما تصبح الأرقام خالية من كل مشاعر، فالضحايا والتضخمات والخسائر والزيادة والنقصان عبارة عن أعدادا تتوالى حتى أصبحت لا تزعج أحدا، والدليل المعروف هو الفلسطينيين وعدد ضحاياهم المتكرر منذ عقود، الأمر الذي أصبح شيئا عاديا عند المشاهدين، وقليل ما يؤثر عليهم ذلك لاعتيادهم.  إذا، نفهم أننا في قلب عالم جديد من المحاكاة للواقع، وليس واقع حقيقي، وهي المصفوفة التي يمثلها نيو وفريقه خير مثال، وكل هدفه هو الخروج منها بأقل الأضرار.  الخطر الذي أشار إليه بودريار هو التطابق الخطير بين الواقع والافتراض، لان الافتراض هو توهم الواقع في حياة الكترونية رقمية، ونحن نعلم أن الأرقام معرضة للتخريب والتشويش والاختراق والفيروسات، وبهذا سوف يفقد الإنسان قدرته في السيطرة على محيطه المادي، بعد أن كان صانعه وسيّده. التحكم في الافتراض أصبح صعبا جدا، لأن المصفوفة لا تفتأ تلاحق صاحبها حتى تُدخله إليها بالكامل، فيصبح مسجونا فيها وهو لا يعي ذلك، فكل من يستعمل تيك توك لا يدرك أنه داخل المصفوفة، وغيرهم من تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة.
هذا المقال لا يدّعي أنه قد ألمّ بكل مواضيع الكتاب، بل هو حثّ للأصدقاء ليطالعوه لأنه من الكتب الثقيلة جدا والصادمة بالحقائق، دون أي استعمال لنظرية المؤامرة أو ما شابه، بل هو كتاب فلسفي واجتماعي بحت.

المقال 336
#عمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق