الثلاثاء، 14 فبراير 2023

ماتريكس وفلسفة هوليود



ماتريكس وفلسفة سينما التسعينات.

الذين تخطّوا سن الثلاثين، يتذكرون -حسب درجة اهتمامهم بالسينما- الأفلام التي كانت تُنتج أواخر التسعينات وبداية الألفية. إذا أردنا تقسيم الأنواع الثلاثة التي كانت تحتل المشهد هي، الخيال العلمي، الأفلام التاريخية، والأفلام النفسية الغامضة (السوديّة). 
في تلك السنوات عرفت الشعوب ثورة الإنترنت، لم تكن لديهم فكرة كيف يستخدمونه وما الفائدة منه. في تلك السنوات، ساهم الانترنت في تقريب بعض المفاهيم العلمية إلى الشعوب، ما أنتج شيئا يسمى pop-culture.  استغلت هوليود هذه الظاهرة للتربع على الموضة الجديدة التي تغزو العالم، ولكي تريَ الناس ما يحب أن يرون من خلال الانترنت والعالم الإفتراضي، صحيح، اعتمدت كثيرًا على أعمال الفلاسفة أمثال إسحق عظيموف، خبير الروبوت، نوستراداموس القرن العشرين فيما يخص الآلة، وكذا تصورات سابقة مثل ما جاء به الروائي والمغانر الفرنسي جول فيرن، وآخرون في علم الإجتماع مثل جون بودريار. لكن الأفلام لم تكن وفية للرسالة، لأن السينما لا يمكنها أن تكون أخلاقية، لأنها تخاطب من لا يبحثون عن الأخلاقية.  طوال فترة الثمانينات والتسعينات، إلى غاية 1998، عجت السينما الأمريكية بأفلام الخيال العلمي، على رأسها starwars، والتي سأذكر العديد منها بعد قليل، إلا أن ماتريكس، الذي ظهر سنة 1999 كانت له الكلمة العليا والترويج والنجاح الأكبر، بالرغم من أنه لم يكن الأول في مجاله، في عديد التفاصيل السينمائية وكذلك الفكرية!  
أول ترويج لفيلم ماتريكس اكتفى المخرجان فيه بترك سؤال واحد للمشاهد: ما هي المصفوفة؟ ?what is the matrix.
بعد أن ظهر ماتريكس، راحت عديد الأفلام تحاول تقليده مباشرة، مثل فيلم art of war لكريستيان دوغاري وفيلم equilibrium. لكن ماتريكس نفسه كان قد أخذ العديد من التفاصيل من أفلام سبقته، مثل الحركة البطيئة عند المواجهة، وذلك من فيلم perdu dans l'espace لستيفان هوبكينس،  أو من فيلم blade لستيفان نورينتون، ومن فيلم wing commander.  كذلك، نجد أن فكرة déjà-vu التي استعملها ماتريكس، كانت قد ظهرت قبل ذلك في فيلم men in black لباري سونيفيلد، والأمر الذي سيصدم محبي ماتريكس حتما هو أن فكرة القرص الأزرق والأحمر لم يكن أيضا فكرة المخرجين واشوفسكي، فقد سبقهم في ذلك فيلم total recall مع بطله شوارزينيجر سنة 1995، سأعود لهذا لاحقا.
ماتريكس اعتمد على شيء ذكي جدا، وهو وضع قدم في الماضي وقدم في المستقبل، استعمل والمخرجان كل الاشارات التي تلخص سينما التسعينات، كنوع من الاشارة على نهايتها، بداية الألفية الجديدة!   - هوليود عالم من التقليد، وعالم من صناعة الموضة، وعالم من صناعة التفكير والفلسفة لكل عقد، ذلك أننا فخصنا كل عقد سينمائي، لوجدنا أن كل حقبة تتميز بأفلام متشابهة، الستينات مع أفلام الواسترن، السبعينات مع الرومنسيات، الثمانينات وبداية التعدد السينمائي الأمريكو-أوروبي والهوكونغي (الفنون القتالية)، إلى أن عدنا إلى الإنغلاق الذوقي في سنوات التسعينات كما أشرت أول المقالة.   سنة 1999 كذلك عرفت عودة سلسلة ستار وارز، ورغم التباين الكبير بين النوعين، إلا أن هنا تلاق كبير في بعض الجمل، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هوليود فعلا تعمل على وضع خطوط عريضة للرسائل الفكرية. 
«انهض نيو!».
ماتريكس ومن سبقه أبناء ما يُسمى بالسايبر بنك Cyberpunk، هذا النوع المتفرع من الخيال العلمي عرف بداياته في الثمانينات، تحديدا مع رواية neuromancer للروائي ويليام جيبسون، الذي يسمى أب السايبر بنك في الرواية، لأنه سُبق سينمائيا سنة 1982 في فيلم blade runner، من الأفلام المتأثرة باسيبر بنك نجد فيلم programmé pour tuer سنة 1995 للمخرج بريت ليونار، مع النجم راسل كرو.  لقد ساهم ويليام جيبسون في صناعة فكرة انترنت يشبه ما نحن عليه، والذي أسماه -ماتريكس-!
كما تعلمون، الشباب المهوسون بفكرة الريد بيل والبلو بيل، يشرين دائما إلى لقطة مورفيوس وهو يحمل واحدة في كلتا يديه، يعرض بذلك على نيو أن يختار، إما الحبة الزرقاء، التي تجعله يعيش في الكذب والمحاكاة في حالة اليقظة، أو أن يبتلع الحبة الحمراء ليرى الحقيقة العالم كما هو فعلا لكن وهو حالم. الحقيقة أن فيلم توتال ريكال استعمل نفس الأسلوب، بنفس الأقراص، لنفس الهدف! ذلك أن البطل كان يحلم بالعودة لكوكب المريخ، لكنه لم يستطع، فقام الباحثون بعملية تجعله يعيش رحلته اعتمادا على ذاكرته وهو نائم، بيد أنهم اكتشفوا أن ذاكرته قد مُحيت، وقد أصبح مجرد عميل للمرخيين.  وبعد عدة مغامرات، زار البطل دكتورًا جعله يشك فيما اذا كان فعلا كما يظن أم أنها مجرد تخيلات، أخبره أن ما يعيشه مجرد حلم، فأعطاه قرصا أحمرًا ليشربه ويعود بذلك إلى الواقع.   كذلك الفكرة مأخوذة من أليس في بلاد العجائب. 
هل يعتبر ماتريكس سارقا للأفكار، أم هو مجرد ملمّ ومشير لها؟
أعتقد أن ماتريكس هو خلاصة ذلك العصر كما أشرت، فالقضية ليست سرقة بل هي إشارة أن كل ما يجب أن يقال حول الخيال العلمي جمعه ماتريكس، وأشار أنه قد انتهى، لننطلق إلى عالم آخر لا يمكننا أن نمثله في تلك الفترة! ماتريكس يقول أن المستقبل مستحيل حاليا، ما يجعله في عيني فيلما عبقريا من الجانب الفكري.
حذاري، روعة ماتريكس لا تجعل منه فيلما ذا أفكار صحيحة، لأنني كما أشرت، الأفلام ليست وفية تماما للفلسفات التي استلهمت فكرتها منها، كذلك هاذا لا يمنعه من السرقة الفكرية المُزعجة جدا للمخرجين الآخرين، فقد واجه ماتريكس حملة شديدة جدا من مخرج فيلم dark City سنة 1998، فالفيلمان متطبقان بشكل صارخ ومزعج، إلا أن ماتريكس 1999 نجح، والآخر لا، من يريد أن يتحقق، فليشاهد الفيلم المذكور، أو يمكنه أن يشاهد المقارنات الموضوعة في منصة يوتيوب.
في الأخير، أرى أن فكرة ماتريكس كانت رائعة في تلك السنوات، فهدم نجاح ماتريكس 4سنة 2021 عائد إلى أن فلسفة العالم قد اختلفت، بالرغم من أن ماتريكس الأخير حاول أن يغير بعض الأفكار وأن يواكب الموضة الحالية، إلا أنه لم ينجح لأننا كمحبي لماتريكس الأصلي، أردنا أن نشاهد نفس الأشياء لكن بكريقة مختلفة، وليس إختلاف كل شيء.. مفارقة مستحيلة تجعلني أشكك في كل مرة أن نجاح فكرة تتباع الأفلام هو خاضع للصدفة، لأن في الغالب تلك التتابعات لا تحمل جديدا، بل تواصل في استغلال نجاح العمل الأول.

المقال 340
#عمادالدين_زنافعمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق