الأحد، 30 أكتوبر 2022

الانصهار في الذوق العام



الانصهار في الذوق العام.. لحياة آمنة؟

من الألبسة والأجهزة، إلى الأكلات، إلى الكُتب.. مروراً بالآراء الرياضية، السياسية، الاجتماعية والفكرية، ينصهر الفرد العادي في ذوق المُحيط، مٌعتقداً أنه يُحسن صنعاً بمواكبة الزمن، ظاناً أن البقاء في الطليعة يتلخّص في تقليد المُحيط. بيد أن تقليد الناس بعضهم بعضاً له أبعاد نفسية وإجتماعية أخرى، غير تلك التي يظنونها.
تقليد الآخرين في الحقيقة هو رسالة مُشفّرة فحواها ”إنني منكم، أنظروا كيف أشبهُكم، لا تقصوني من مجموعتكم، اقصائي من الجماعة عديل الموت بالنسبة لي!“.  وفي الحقيقة، ألم الاقصاء من الجماعة نفسياً، يشبه أي ألمٍ جسدي، هو سكّين يُغرس في مزاج المُقصى.  الانصهار في ذوق العوام حاجة بيولوجية ونفسية مُلحّة لا يشعر بها الفرد، وربما يُنكرها أشد النكران لو قيلت له، ذلك أن الإنسان يضع الرفض والإنكار كجوشن يحمي به مشاعره وكبريائه، غير أنه يشعر في قرارة نفسه بحجم الرغبة الملحة لرؤيو الرضا على وجون الناس، عن كل اختياراته.   
ترى الفردَ منا يطلبُ ما يطلبه الناس، لأن طلب غير المُعتاد لا يكون سوى لأصحاب الحجج الصلبة، فالذي يُعزّز من ذوقه ويجعله في المقدمة، سيطوّر إلزاماً مكنته الكلامية والجدلية، لأنه سيلقى صدّاً وسخريةً، أو تجاهلاً وهجراً.
يُبرز المرء المنصهر في الذوق العام كل الأمور التي من شأنها أن تضيف له نقاطاً أمام العامّة، صور لكتبٍ متداولة، موضة الألبسة، أكل خفيف مشهور، بعض الاقتباسات لأشهاص يعرفهم الجاهل قبل العالم.. وهكذا يعمل الإنسان الخائف من الموت الإجتماعيّ، الذي يعادل شعور ألم الموت الحقيقي، بجدّ وباحترافية، في تقليد الناس، بل وفي ابراز أن ما ذوقهم صوابٌ صوابْ، وأن المُخالف عدوّهم جميعاً، وتلفق له تهم كخب الشهرة، والتكبر، وبذلك يُكاولون ”قتـ.له اجتمعاياً“، وبهذا الفعل، يعزز ن حياة وأمان بعضهم البعض.
إن الأمان بالمفهوم المُعاصر، هو الإطمئنان بأن الآخر يفكر مثلنا، ويسعى لنفس ما نسعى، ويشقى كما نشقى، وأن يرانا نشبهه، أو ليس أحسن منه كأقل الإيمان.   ويعمل الفرد على أن يبرز معاناةً لا يعانيها حقاً، وذلك ليرضيَ الذين يعانون، فيخفي سعادته تارةً، ويبرز حزنا ومواساة لا أساس لها في قلبه.
 وترى أن الفقير يُجهد نفسه ليكسب نفس الهاتف ونفس الحذاء والقبعة والنظارات التي يلبسها أبناء حيه، وذلكَ ليبقى في حديثهم، ويُذكر بينهم، وتلاحظ أن الغنيّ ابن الغنيّ يسمي نفسه بالزاواليّ، ليكسب ودّ هؤلاء، ليجد من يحادث، لكيلا يقصونه، لكيلا يموت في وحدته.
إن الناس منصهرون في بعضهم البعض،وكأنهم في حوض كبيرٍ يسحبون بعضهم البعض نحو الأسفل، فمن يحاول الخروج، سيجد نفسه كحوت الزينة الذي يختلجه الفضول  ليُخرج من حوضه إلى حوض آخر، فلا يصبر على لحظة البرّ، أين ينقطع نفسه، فيعود لحوضه، ويرضى بما فيه وعليه.
ان الانصهار عمل طبيعي، طلب بيولوجي ونفسي عميق للعيش في راحة، إنها غاية ملحّة لتفادي التفرّد، فالتفرد يحتاج جهداً نفسيا وعقليا، يحتاج من الفرد أن يَقتنع ويُقنع، وكما نعلم، أغلب من في المعمورة متوسطوا الذكاء، والطموح، مستهلكون، منساقون، مرفوعٌ عنهم تكليف التفرّد، فهم ليسوا أهلا له، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
إذا كنت عامياً، وأنت تدرك ذلك، لا يجوز اك ادعاء التفرد، فليس لك ما تتفرد به سوى حماقة تريد لفت الانتباه بها، فتصغر في أعين أقرانك أكثر. أما إذا كنت غير هذا في نفسك ووجدانك، في رؤيتك ومنهجك، لي تكوينك وثقافتك فالتقليد والانصهار معرّة عليك لا تغسلها منك البحار.    

المقال 325
#عمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق