الثلاثاء، 25 أكتوبر 2022

مغالطة التقاط الكرز


مُغالطة "اِلتقاط الكرز" المَنطقية.

وتسمى أيضاً الالتقاطيّة، جاءت من الإنجليزيّة  cherry picking، هو أداة يستعملها السفسطائيون في الأسلوب ابلاغي والحاجّة، كذلك تُعتبر نوعاً من أنواع الانحياز التأكيدي، الذي عرّفته سابقاً بأنه يأتي عندما نبحثُ عن المصادر والمراجع والمعلومات المُبعثرة التي تَدعم انحيازنا لفكرةٍ أو ايديولوجية معيّنة، لندعم به ما نريده أن يكون حقاً، لا الحق الكامل! فما المقصود بالتقاط الكرز أو الالتقاطيّة؟

لمن لا يهوون القراءة المُطوّلة نُعرّف لهم المُصطلح على أنه عمليّة التقاط تجربة من أصل تجارب، وقول من أصل أقوال، ومصدر من أصل مصادر، ومجموعة من أصل مجموعات، وجعل تلك المعلومة او الفكرة المتمثلة في حبّة "الكرز الجميلة" هي الأصل، ونتغافل أو نحاول اغفال الآخر أن في الأمر عدّة نظريات وآراء وتجارب، قد تُعاكس تماما تلك النظرة التي يبدو أنها صحيحة في ذاتها! 

هذا الانحياز المعرفي يُستعمل كثيرا لأدلجَة الرأي العام عن طريق الاشهار والاعلام، فقد نأخُذ إحصائية معيّنة خصيصاً دون غيرها لتسويق فكرة ما، أو قد نأخذ من التاريخ جُزئيّة من أصل أحداث كثيرة ونجعلها مركزاً للتاريخ.  ليس هناك بَشريّ لم يستعمل الالتقاطية في المحاججة، فدون التقاط ما يروقنا، أو ما يحفظ ماء وجهنا، لما استطعنا الوقوف أمام أوّل الحجج العلمية والمنطقية التي تكسِرُ ظهورنا.  

الالتقاطية خطأ منطقي جسيم، لأنها قائمة على النوادِر، الخُرُقات، العجائب، المصائب، سواءً كانت إيجابية أو سلبية، إذا تم التقاط شيء عن شيء، فلأن المُلتَقَط فيه ما يثير الانتباه، ما يَصدُم، ما نعتقد أنهُ كلمة الفصل التي يخرّ لها الجميع، بيدَ أن في الفكر والعلم والفلسفة، لا يوجد التقاطيّة، ولا خوارقَ إلا ما ندر، فاختيار تجربة عن أخرى طريقة غير علمية، وخيانة فكرية أيضاً.  التجارب تؤخذ جملةً، وتُناقش جملةً، فأي إخفاء لتجربة أو رأي يعني أننا ننحاز، والانحياز عدو الفكر المنطقي والعلمي، والمُنحاز لا يؤخذ منه رأي ولا علم. 

في حالة القضاء، يمكن أن يُفتح باب الالتقاطيّة، المُحامي يمكنه أخذ كل ما يدافع به عن موكّله، وهي عملية جمع الأدلة على براءته. أما الجانب الآخر، فهو يحاول التقاط كل ما يدين المُتّهم، بما يتماشى والأدلّة القطعيّة، او ما يُقنع به القاضي منطقيّاً. 

التقاط شيء دون غيره لا يعني أن الشيء المُلتقَط ليس صحيحاً، ما هو غير صحيح يكمن في العمليّة والأسلوب، ما هو غير صحيح هو عملية تجريد الجزء من الكل، وجعل الجزء شيئاً مستقلاً، لهذا تُدعى مغالطة، فالفرق بين المغالطة والغلط كبير جدا! الغلط غلطٌ أينما وُضع، بينما المُغالطة هي وضع الصحيح في المكان الخطأ لغرض الاحتيال.

المقال 323
#عمادالدين_زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق