التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الترقية وكيف تكون



الترقية عمل داخل الوظيفة!
مقالة في مجال العمل.

الترقية هي عملية انتقال من حالة دُنيا إلى حالة عُليا، في الوظيفة أو في أي عملٍ كان، وقد يترقّى الإنسان بصيغة شخصيّة معنويّاً (ثقافياً)، أو بشكل حسّس في صورة الشهادات. وقد يُرقّى من أطراف أخرى، سواءً من مسؤوله المُباشر في المؤسسة، أو من طرف الزبائن الذين يجعلونه أشهر بالحديث عنه وعن منتوجه.

فهناك ترقية المناصب، وهي الصعود درجة في المسؤولية قبل أن تكون تشريفاً، وهناك ترقية روحيّة، ثقافيا وفكريا، أو دينياً وإيماناً، وهناك ترقية ماديّة محسوسة، كالشهادات الجامعية والدورات المستقلة، وهناك ترقية من تزكية الجمهور. 
عند الكثير من الناس أفكار مغلوطة عن الترقيات، فسوف أحاول تناولها نقطةً نُقطة لتفكيكها.

- السنوات لا تُرقّي صاحبها!
يعتقد البعض أن السنوات المهدورة في عملٍ ما ووظيفةٍ ما، قد تشفع لهم في صعودهم اجتماعيا وثقافيا، أو في الانتقال من منصبهم إلى منصب أعلى. إذا بقيَ أحدنا في مكانٍ ما يُعيد نفس العمل دون أي إضافة، فهذا يضعه في محل فريسة يمكن تعويضها بسهولة، فالذي لا يقدّم ما يجعله لا يُعوّض، فهو لن يبرح مكانه، بل إنً مكانه مُهدّد حتى بعد سنوات طوال!

-الوقت لا يتقدّم إلا بالحركة!
نستطيع إسقاط هذا القانون الفيزيائي في كل شيء، ذلك أن حركة الأرض والشمس والكواكب هي التي تصنع الليل والنهار والأيام والأشهر والسنوات. وكذلك الوظيفة والعمل الذي نختلف إليه، فإذا لم تطرأ عليه الحركة لن يكون لهو أيام وسنوات، فسيبقى مثل ساعته الأولى لا يتقدم، وإن توهمنا أن الوقت يمضي، فالعمل وأنت فيه متحجّر ليس فيه ليل ولا نهار، وبذلك، لن تلامس الترقية، خلاف الذي قد يعيد الحياة والحركة لها في فترةٍ وجيزة.

-الترقية تكون بالقيمة المضافة دائماً!
زيادة على ما شرحت أعلاه، القيمة المضافة هي الوظيفة الحقيقية المنتظرة من الجميع، بيد أن لا أحد يطلبها منك، والبعض يعتقد أن الوظيفة أو العمل هما من تعملان عليه لا هو، فمجرّد حضور الشخص والقيام بما طُلب منه، لا يجعله أهلاً للترقية، ذلك أن كل الأعمال والوظائف تحتاج لمسة إنسانية فوق المادة والروتين، وتحتاج بصمة خاصة لشخص عن آخر، ما يجعل ذلك الشخص لا يُعوّض، فالمتربصين بالوظائف والأعمال كُثر، ولا يضرّ المسؤول تغيير شخص بشخص آخر ما لم يقدم ما يشفع له ألا يُعوّض، وكذلك الجمهور، فهو لا يجد حرجاً في الانتقال من ماركة إلى أخرى، ومن شكرة إلى أخرى، ما لم يجد ما يشدّه من اختلاف حقيقي وإن كان طفيفاً.

- لا علاقة بالشهادات في الترقيات!
قد يستاء المتخرجون وذوي الشهادات من معاملتهم بشكل لا يوازي شهاداتهم، وقد يتناسى  أن الشهادات صارت أكثر من طاقة استيعاب المؤسسات، وقد تضطر المؤسسات إلى توظيفهم من درجات أدنى من شهاداتهم، فلا يقبلونها. وربما نسوا أن الترقي يكون بالخبرة الميدانية والعطاء الإبداعي، وليس في الشهادة التي تمثّل أن صاحبها قد اجتهد في استيعاب المعلومات وإعادة طرحها، بيد أن الحياة العملية شيءٌ آخر، فالحياة تحتاج مهارات إضافية أخرى مثل الصبر، النباهة، العطاء اللامشروط، المنافسة المستدامة، دراسة المحيط، تطوير العلاقات الاجتماعية والنفسية، التثقف بشكل مستمر.. وهذا كما نلاحظ مختلف تماما عن الشهادة النظرية، وشهادات الحفظ وفهم ما هو مقرّر سلفاً.

-خلاصة القول؛
الترقية لا تكون إلا بعدما يرتقي الإنسان بنفسه، نفسياً، عقلياً، ثقافياً وفي التجارب. وكذلك تكون بقبول الخسارة وعدم الاستسلام لها، وكذلك تكون في نسيان أن الوظيفة لها مزية على الموظف، بل للموظف مزية عليها، وذلك في إثراء مكانه وإزهاره بالإبداع والحركة لكي يكون الوقت عبارة عن منحنى تصاعدي، لا مستقيم استقامة دقات قلب الميت.

 
المقال 213
#عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...