التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سيدة الجنة، الأفلام والروايات في الميزان



بعد مشاهدتي لمقاطع من فيلم The Lady of Heaven
والذي يروي أحداثاً تحوم حول سيدة نساء الجنة فاطمة الزهراء بنت سيدنا محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام، أكرر نفس وجهة نظري عن الروايات التاريخية المكتوبة، القديمة والحديثة، بما أنني تعرضت لهذا الموضوع في كتابي الشفق [الرواية الوطنية والتاريخ]؛

هذا الفيلم أثار ضجة في إنجلترا، وقد مُنع من العرض لأسباب طائفية وسياسية وما إلى ذلك.

أقول، العيب دائماً في الذي يعتمد على الأفلام والمسلسلات لمعرفة التاريخ بشكل عام، وليس العيب فيها {أي الأفلام}.
 فمنذ القدم، الروايات التاريخية نفسها مُشبعة بالانحيازات لقوى ذلك الزمان، للحُكم ولهوى ومزاج العوام بشكل عام. وصاحب الحقيقة يُقطع لسانه ولا تصلنا أخباره إلا ما انفلت منها، ولا أعتقد أن نوايا السينمائيين تكمن في رفع لواء الحق قبل الأرباح المادية. 
بايجاز، المسلسلات والأفلام والروايات التاريخية ليست مصدراً لفهم التاريخ كعلم قائم بذاته! وتذكروا أنني وضعت درساً على قناتي، أذكر فيه تصريحاً قاطعاً من المؤرخين المشهورين، بالتساهل في سرد أحداث ”تاريخية“ يقصها رجال مطعون في رواياتهم للأحاديث النبوية.
والمنبّش في التاريخ يدرك أن من قواعد فهم التاريخ وربما على رأسها، هو تعدّد المصادر! 
فالحدث التاريخي يؤخذ من منظور ديني ثقافي أدبي علمي تراثي وعُرفي، وهناك من زاد الأمثال والحِكم، لكي نجمع فكرة نسميها ”حقيقة تاريخية“.
افتقار الحدث لتعدد المصادر يعيبه عيباً شديداً، فكيف وهو يخدم نظرةً واحدة بشكل مباشر. هذاةما يجعله حدثاً فانتازياً مسلّياً، يعمل على تأكيد انحياز صاحب النظرة الواحدة، وفي أسوأ الأحوال، هو مغالطة تاريخية تخدم جهة عن جهة، وترفع جهة وتضع جهة، ما يبعدهم عن التاريخ تباعد المشرق والمغرب.
الأفلام لا تختلف عن المرويات، فهي تخدم توجّه سياسي، حتى لو كان حقاً، فهي ضربة حظ وليس بحثا عن الحق، لأنها وسائل لخدمة الممولين، والممولون يخدمون عقائدهم، ولذلك؛
لا يجب أن يتم قراءة رواية تاريخية بعين المتعلم التلميذ، بل بعين المتعة الأدبية فقط. ولا أن تشاهد فيلماً ومسلسلاً إلا بعين المتعة السينيمائية، فما يتجاوز هذا الحيّز ليس من خصوصيات هذه الأدوات الإعلامية الدعائية.
لنتفق أننا جميعاً كذبة الآخر، أي أن كل واحد منا يرى الآخر محرفاً للتاريخ ومغالطا، وبما أن عقلنا لم يرقى للتحاكم العلمي، فعلينا عدم الخوض في شيء لا نتحاكم فيه بالعلم وبتعدد المصادر، وليبقى هذا التاريخ حبيس تنبيش العلماء، ومادة لتثار بها بعض القضايا لأهداف ربحية مادية بحتة.
والسلام.

المقال 298
#عمادالدين_زناف #سيدة_الجنة #theladyofheaven 

.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...