الاثنين، 27 ديسمبر 2021

مرهفة السياسية حنة آرنت



اعتبرت حنّة نفسها وريثة الفلسفة الآرسطية البحتة، الذي أخذت عنه تعريف الإنسان بالحيوان السياسي. جدير بالذكر أن نفكك مصطلح حيوان، كي لا نفكر في تشبيه غير لائق بالدواب، الحيوان من حياة وحيوات، فكل ما فيه حياة هو حيوان.  يعي الإنسان إنسانيته وسط المدينة وقوانينها، لأن بذلك الفعل السياسي يتميّز عن باقي الكائنات الحيّة، بالكلام والمنطق.  فهما يشكلان قدرة للتفاعل، وبذلك يساهم الإنسان في صناعة العالم من حوله.  على عكس الذي يعتني بذاته وحاجياته، ذلك عند الإغريق ليس بإنسان. بنفس الطريقة، ترى أرنت بأن السياسة طريقة مناسبة للتعبير  عن إنسانيتنا، بل هي شرط أساسي لكل الحريّات، دون السياسة لا حريّة ممكنة، ودون حريّة، لا عمل سياسي نافع.
وهذا الفكر يعد نقيضاً للمدرسة الرواقية، التي ترى أن كل العمل الإنساني يكمن في دواخلنا، لا في المحيط. فقد كان يرى إبكتيتوس أنه حرٌّ من كل سيّد، رغم مهنته كخادم.  هذه النظرة بالنسبة لآرنت تعتبر عيباً سياسياً، وشعور بالهزيمة، هزيمة تشبه هزيمة الآثينيين ضد الإسبرطيين.  كذلك في العصور الوسطى، أين كانت شروط السلام تحت رحمة الدين فقط، ثم ما عرفه العالم في الحربين العالميتين. 
مع ذلك، تعتبر أن الإبتعاد عن السياسة يقود للتجارب الشمولية، التخلي عن العمل السياسي، يعني التخلي عن التفاعل، للإنطواء في أمورهم الخاصة، وهذا ما يفتح بابا واسعاً للبيروقراطية، والشمولية.  سنة 1951م، أصدرت كتابا بعنوان أصول الشمولية، قالت فيه أن الشمولية عبارة عن تجربة سياسية جديدة، لأن حتى في وسط البيئة الديكتاتورية، يمكن للأفراد ان يمارسوا الكثير من حراياتهم، لكن الشمولة تغزو حياة الأفراد كلياً، مع فرد أن يتم تبجيل الحزب وقائده. 
حضور النظام يصبح شموليّ، فهو نظام لا يفرّق بين الشؤون العامة والخاصّة.  يستمد طاقته وأحقيته من قضايا عرقية ودينية وتاريخية، لا انتخابية ولا برامجية.  والناس بين كل هذا عبيدٌ خدَم، يضحّون لباقاء ذلك. 
الشمولية هي رفض الإنسان ودوره كلياً، الشمولية تنهي السياسة، الطريق الوحيد لتفاعل الانسان ورفضه ومساهمته في تعديل الأوضاع.
الأولوية السياسة بالنسبة لها هي أولوية إجتماعية أيضاً، لأن القضايا الإجتماعية مثل مطالب العمال، يمكنها أن تستعنل كضغط سياسي ضد النظام.  السياسة الإجتماعية تعنى بالحالة الإقتصادية للبلد والشعب، وعكس الشمولية، المجتمع اامدني هو من يفرض على نظامه طريقة العمل السياسي.
لكن تفوق هؤلاء الأفراد، ما هو الا تفوق لبعض المستهلكين لا غير، وهو فقدان الحرية من نوع آخر، بسبب العادة وتكرار نفس المطالب. 
السياسة بالنسبة لها لا تعنى بموضوع العمل، لكن بالفعل والتفاعل، العمل مهم لأنه يصنع الثروة، لكن هذا لا يعني جعل هم الأمة في ظروف العمل.  المجتمعات المعاضرة وضعت العمل فوق التفاعل السياسي، إلا أن التفاعل السياسي يصنع عالماً جديداً يعطي معنى لحياتنا.. عكس العمل الذي يحوم حول نفسه.

#عمادالدين_زناف 
المقال 249

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق