⚫ الشاعر الفيلسوف ⚫
هو احمد بن عبد الله بن سليمان، ولد وكانت بلاد الشام في في اضراب وفوضى تتصارع فيها اربع قوى سياسية وهي: الدوله الحمدانية التي اخذ نجمها في الافول، الدولة الفاطمية التي كان نجمها في صعود حتى انتهى بها الامر الى الاستيلاء على ممالك الحمدانيين، ودوله بني مرداس التي استولت على الشمال السوري وصدعت بعض هجمات الروم، ودولة الروم التي حاربها الحمدانيون في زمان عزهم فلما ضعف صار بعضهم يستعينوا بها على بعض.
عاش المعري في عصر ظهرت فيه العلوم والفلسفة المنقولة عن اليونان والفرس والهند، راجت فيه التيارات المذهبية وكثر فيه النقاد المتشككين وفلسفة الالهيون والعلماء المحافظين، فكم عالم تردد في هذا العصر بين الايمان والالحاد، وبين المنقول والمعقول، وكم مفكر امن بصدق الشريعة واحكامها، وحاول التوفيق بينها وبين احكام العقل.
هذا الى جانب انتشار الدعوة الاسماعيلية وامتدادها الى الشام والعراق وفارس، فلا غروا اذا اثرت هذه التيارات السياسية والفكرية في عقل المعري، حتى جعل نصره وشعره مرآة نفسه، ومرآة عصره معا.
لما بلغ مع الثلاثة من سنه أصيب بمرض الجدري، الذي افقده عينه اليسرى، وغطى اليمنى بغشاوه بيضاء، فنشأضريرا، لا يعرف من الألوان الا اللون الأحمر، لأن اهله البسوه حينها جذر ثوب مصبوغاً بالعصفر.
غير ان ذهاب بصره لم يفقده نور بصيرته، فدرس العلم والادب على ابيه اولا، ثم نبا دراسته على جماعة من علماء المعرة، وانتقل بعد ذلك الى بعض مدن الشام كَ حلب وانطاكيا واللاذقيه و طرابلس، فدرس على علمائها واستفاد من خزائن كتبها، وبينما كان يتجول في مدن الشام مات ابوه، فحزن عليه حزن شديداً، ثم رجع الى المعرو، واقام فيها مدة يعيش في وقف يضر عليه 30 دينارا في السنة، يعطي نصفها لخادمه، وينفق النصف الاخر على نفسه.
وما ان بلغ العشرين من سنه، حتى استغل بنفسه في طلب العلم. فلم يضرب بعد ذلك على احد من العلماء والشعراء ويظهر انه بدا بنظم الشعر وهو صغير السن فمدح بعض الامراء مجاريا في ذلك شعراء عصره، الا انه اعرض بعد ذلك عن النظم للتكثف، فلم ينطح الا فقيها واديبا اختصه بموادته.
ويظهر ان هذه العزلة التي اخترعها المعري بعد التفكير الطويل والتردد الكثير لم تكن حاله ركود ودمود بل كانت مصحوبه بنشاط فكري عظيم وفيها نظم لزوميته، والف اكثر الكتب والرسائل واليها، قصده الطلاب من كل حدب وصوب للاقتباس منه، ونذكر منهم على سبيل المثال الخطيب التبريزي وابا القاسم التونوخي وهما من الاعلام.
وما نعجبه للشيء كعجبنا لهذا الرجل الضعيف كيف تربى في عزوتي على عرش المجد عنده المظلمه ويهب له المستنصر الفاطمي كلما في بيت مال المعره فيرفضه.
ابو العلاء المعري مرهف الحص هذا الذكاء واسع الذاكره طويل الاراده شديد الحرص على بلوغ كمال فلم يبنه عن طلب العلم خوف ولا مرض، ولم يستهو فؤاده وثراء وجاه. ومن اثاره:
▪ سقط الزند، وهو ديوان شعر يحتوي على اكثر من ثلاثة الاف بيت نظمها المعري في اطوار حياته المختلفه بعضها يمثل طول الصبا وبعضها يمثل طور الشباب، وبعضها يمثل طور الكهولة، نشر في القاهرة، ثم طبع مع شروح التبريزي والبطليوسي والخوارزمي، وذلك لمناسبه على مولد ابي العلاء.
▪اللزوميات، وهو يشمل على الشعر الفلسفي الذي نظمه ابو العلاء في عزلته، طبعت بالاسكندرية، وعرف ب شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء المعري، وقد اختار امين الريح اللزوميات،ونقلها ونشرها في نيويورك باسم رباعيات ابي العلاء.
▪ رسالة الغفران، الف ابو العلاء على رسالة الى ابن القارح.
▪ رسائل ابي العلاء، رساله التذكرة، رساله ملقى السبيل، عبث الوليد، رساله الهناء، الفصول والغايات، رساله في تعزيه ابي علي بن ابي الرجال، خمس لابي العلاء.
🔸 في تشاؤمه
في ديوان اللزوميات، عبر عن وجدانه تعبيرا صادقا، لانه ينتاب نفسه من شك وايمان، وحيره وتردد وتشائم وثورة، واطلع على من يتصفون به من كذب ورياء وغش ومخاتله، استمد من معرفته بهم كثير من الاراء المعبرة عن اتجاهه العقلي. وهي خواطر مضطربة او قل اذا شئت خالية من الوحدة والانسجام. ربما كان السبب في اضطراب ارائه تردده بين الايمان التقليدي الذي تلقنه في حداثته، والفكر الحر الذي وصل اليه في كهولوته، فلا غرو أن نصب اليه الناقدون صدق الامام تارة، وجراءة الكفر والالحاد في الاخرى.
حتى لقد عدهُ بعضهم اسماعيليا وعدهُ الاخر قرمطياً، وممثلا لاخوان الصفا، ومهما يكن من امر، فان التحليل الداخلي لديوان اللزوميات يكشف لنا عن اصباغ افكار ابي العلاء بصبغته العامة، وهي صبغه التشاؤم.
وقد قال:
قد فاضت الدنيا بادناسها
على براياها واجناسها
وكل حي بها ظالم
وما بها اظلم من ناسها
وابو العلاء لا يستفني نفسه من النقد، بل يلومها على جهلها وتقصيرها في معرفه المنهج الصحيح قائلا:
انا اعمى فكيف اهدي الى المنهج
والناس كلهم عميان
اذا علم الاشياء جر مضره
الي فان الجهل ان اطلب العلما
🔹 ان العقل عند ابي العلاء اسى الفضائل وينبوع الاداب فلا يسمى الانسان فاضلا حتى يكون عاقلا يعرف ما ينبغي له ان يؤثر من خير او يجتنب من شر لان الاخلاق الفاضله عنده من موجبات العقل الصحيح فاذا تم العقل المرء كان دين خيرا وسهلا عليه التغلب على مشكلات الحياه وصعوباتها فقال:
اذا تفكرت فكرا لا يمازجه
فساد عقل صحيح هان ما صعبا
كذب الظن لا امام سوى العقل
مشيرا في صحبه والمساء
🔺 كان المعري شديد الايمان بالدين ولكن ايمانه به لم يكن ايمانا وجدانيا فحسب، بل كان ايمانا عقليا ايضا، فهو يتسع لكل شيء ممكن في نظر العقل وان هذا العالم ليس الا صورة ممكنه من صور اخرى ممكنه ايضا، وان الذي اوجد هذه الصورة الممكنة، قادر ان يوجد غيرها من الصور، حيث قال
عجبي للطبيب كيف يلحد
بالخالق بعد درسه التشريحا
قال المنجم والطبيب كلاهما
لا تحشر الاجساد قلت اليكما
ان صح قولكما فلست بخاسر
او صح قولي فالخصار عليكما
🔘 رأي ابي العلاء في المصير متصل بمذهبه في التشاؤم وقد بيننا ان تشاؤمه يرجع الى اعتقاده ان الشر في الوجود غالب على الخير وان طبيعه الانسان مبنيه على الفساد.
ظني به مات مسلماً عكس ما رُوّج، رحمه الله وغفر له ما حاد له عن الحق.
#عمادالدين_زناف
المقال 200.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق