التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بين النور والظلام، نظرة فرويد



من خلال هذه الصّورة، ستعلم تماما أنّ الرّجل يملك نظرة عنك، وأنّه مستعد بأن يوفّر عنك شقاء البحث عن مشاكلك الدّفينة: أنت ضحيّة حبّ مَرضي في زمكان ما!
طبعا، لم تكن مقدّمة ”إلّا“ مازحة.

                                       -1-
قبل ظهور فرويد، اعتمدت الفلسفة عن الأنا، مثل ديكارت وكانط وغيرهم..”أنا أفكّر إذا أنا موجود“، فقد كانوا يعتمدون عن النظرة الواعية للإنسان، ورغم أن الكثير منهم أشار إلى وجود شيء خفيّ، إلّا أنّهم لم يستطيعوا هيكلته كما فعل سيجموند. 

                                       -2-
عصر التنوير انطلق من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر، إلا أن جاء فرويد بمدرسة علم النفس التحليلي بداية القرن العشرين وقام بإطفاء الأنوار، مشيراً إلى أن الحقيقة تكمن في الظلام، في لا وعي الإنسان، وليست فيما يراه ويعيه.
لذلك قاد الوجوديون حملة انتقاد واسعة ضد فرويد، لأن فكرة فرويد تلغي ”حرية الاختيار“ التي تقوم عليها الوجودية.

                                      - 3 -
حطّ رحاله في فرنسا و”تعلّم“ من جون مارتين شاركو التنويم المغناطيسي، فتلك هي الطريقة التي كان يهدّئ بها ”العُصابيات“، وأضاف من جهته الصدمات الكهربائية، لكنه لم يستعمل تلك الطريقة مطولا، لأنه أراد أن يبقي الفرد واعياً، أن يتحدّث  دون انقطاع لكي يقع فيما يُسمّى بـ ”زلة لسان، السقطات، الفلتة، الانزلاق اللفظي..“ le lapsus révélateur ومن خلاله يتعرّف على خفاياه، ويدرس حالته ويشخّصها.

                                       -4-
دائما ما تكون المحرّكات المكبوتة أقوى من أن يتحكّم فيها الوعي، فتقفز بعدّة طرق، كلمات بذيئة، اشارات جنسية، صمت، صراخ، ضحك إلخ، وهذا الذي حثّه إلى إعطاء أهميّة كبيرة للحلم وتفسيراته.

                                       -5-
في عالم الأحلام، تصبح تلك ”المحرّكات“ هي الوعي في ذاته، لأنها تهزمه بسهولة وتسيطر عليه، وبما أنّ المحرّكات هي التي تمثّل ”حقيقة“ الفرد، فتفسير الحلم يُعدّ أمراً رئيسياً للتشخيص والفهم التام للحالة.
كلّما ضغط الإنسان على محرّكاته، كلّما عادت بأكثر قوّة وأكثر خبث وخطورة.

                                         -6-
عندما توفّى والده، حلّل فرويد نفسه، واستحال الى فكرة أنّه كان غاضباً منه، لأنه كان يحبّ أمّه أكثر، ذلك الذي أطلق عليه اسم ”عقدة أوديب“، و”عقدة إلكترا“ للفتاة، وزعم أن هذه العلاقة المثلّثة (الأب، الأم، والإبن/البنت) هي عقدة إنسانية عامّة.

                                         -7-
بعد مدّة، شدّ الرحال إلى الولايات المتحدّة الأمريكية، وعندما حطّ في المطار قال: لا يعلمون أنني جلبت لهم الطاعون.
مشيراً إلى أنّ فكرة علم النفس التحليلي ستقلب العالم رأسا على عقب، وكذلك فعلت.

                                         -8-
أطّر فرويد كل أفكاره ونظّمها على قاعدة شبه علمية، نعم، إلى يومنا، لا يزال علم النفس التحليلي مصنّفاً عند الكثيرين مع العلم الزائف (pseudo sciences ).
حدّد النفس في الأنا والهو والأنا الأعلى.
 الوعي، جدار الوعي، واللا وعي.
العصاب، العصاب: الهيستيري ،الهوس.

                                        
المقال 164
#عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...