التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في سبيل التنوير



عن القُدسيّة
لم تُبنى الحضارات الا بتقديس الأرض والانسان، بتقديس النبوءات والرسالات، بتقديس الحروب والانتفاضات، بتقديس العلوم والفلسفات، ما الذي يجعل الانسان ينسى انسانيّته؟ لقد عاش الانسان مئتي ألف من السنين على نهج البدايات، فلمَ تُغيّره آخر مئة سنة من الترّهات وبعض الدّعايات من النفايات، أقدس ما في الانسان روحه، وأقدس شيء بعدها أرضه وعرضه، فاذا اطفأت شُعلة حماية العِرض، اعترى روحه ولم يعد لها مأوى وسقف يحميها.
عن الانسان
لا كرامة للإنسان دون عقل، فالعقل هو الذي يجعلنا نُدرك ما يجب وما لا يجب، العقل هو الذي يُسيّر العواطف ويضعها في مكانها، وعن قُدسيّة العِرض والأرض، فللعقل النصيب الأكبر في العمل على حمايتهم، للعاطفة الواجب الرئيس في جعلنا نشعر بالرغبة في الأمن والقوة، لكن العمَل على ذلك يتطلّب التخطيط والتدبير.
عن الأرض
الأرض سرّ المجتمعات، سرّ الانسان في أرضه، وسرّ الجماعة في محيطها، انّنا نَحمي ونحتمي بأرضنا، اننا نتعصّب لمائها وفومها وعدسها وبصلها، لبحرها وجبالها وتلالها وسهولها، لزيَتوها الصّامد وصخرها العريق
عن المجتمعات
يموتُ الانسان من يومها إذا ما انسلخ عن مجتمعه، المجتمع أنت، وأنت المجتمع، الانسان أخو الانسان، والجماعة جدار واقٍ لجماعة أخرى، والمجتمع دولة قائمة تحمل نفسها، وتطلُّ على امّتها. 
عن الأمة 
الأمّة مفهوم يتجاوز المجتمعات، انّ إبراهيم كان أمّة، وما كان إبراهيم الّا أباً للأمة!
فالمقصود أن إبراهيم أبوها ومُعلّمها، على المجتمعات أن تلتفّ حول الأب الذي يُعلّمها ما لا تعلمه عن القوّة وشد الازر والنجاة، يُعلّمها حبّ الأرض وحبّ الرسالات والنبوءات والانتفاضات، نحنُ الأمّة الوسط، التي تتوسّط الأمم رشداً وفهماَ، فمن يجمع فتاتها ويُلملم عقولها، ويُوجّه فُرسانها، ويَرفعَ عُلمائها ومُفكّريها.
عن الهدف
الهدف من الحضارة هو التنوير، البقاء في المقدّمة للعيش الكريم، للبناء والتعمير والبحث عما يختفي وراء كل صغير وكبير، الحضارة هدف وغاية، غياب هذه الرغبة يعني تشوّه مفهوم الحياة في نظر الانسان، لا يوجد انتصارٌ مباشر، هناك انتصارات، وبعدها تأتي سلسلة الدفاعات عن تلك الانتصارات، بمعنى أن المقاومة لا ولن تتوقف.
عن المقاومة
المقاومة تجمع ما ذكرته سابقا، أن تقاوم الفقر والجهل، ثم تحاول ان تجتمع مع أفراد يقاومون نفس ما تقاوم، فتشكلون فريقا مقاوما، تنجحون نجاحات بسيطة، فتنيرون جمعاً آخر، فتصبحون متنوّرين، فيكبر النور الى أن يشعّ على نطاق واسع، فيتعرّض ذلك النور الى قوى الظّلام، فيجتمع كل الناس على مقاومته ودفعه، هكذا هي حياة الانسان، فمن استسلم للأمور الأولى، لا يمكنه مواجهة الظلام الأسود العظيم، فالقوّة تأتي بالتدرّج، وتتصاعد مع تجاوز الانسان للمراحل والسنون.
عن البيوت
تبقى البيوت عرضة للرياح والأمطار والزلازل إذا لم تسند بعضها بعضا، ويبقى الانسان عرضة للمرض والفضل والكآبة إذا لم يسنده انسان آخر، وتبقى البلدان عرضة للانكسار والنكسات إذا لم تسندها دول أخرى، فكونوا سنداً للبيوت.
عن الوحدة
لا يعيش الانسان دون إله، فقد قال سبحانه ''أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ''، لا يوجد من يُنكر ربّه الا ليضع رباً آخراً يُبيح له كلّ ما يهواه، فمن لم يُوحّد الله، فهو حتماً يعبدُ هواه، وحّدوا الله وعظّموه، واعملوا بأمره، منهج التوحيد مهمّ للشعوب والأمة، التوحيد يُوحّد، ونحن أمّة اتّحدت على توحيد الله وتعظيم شعائره، فمن غير المعقول ألا نتحّد على حماية من يوحّده من بني جلدتنا، انّهم شعبٌ من أقصى الأرض يُوحّد الله، فتوحّدوا وهرولوا الى حمايته.
_
الخلاص..هو أن يبني الانسان نفسه، ويعمل على تنويرها، وتنوير محيطه، والتعلم والعمل، ونشر الوعي، والاتحاد والتوحيد، والبناء والدّعم، وجعل نصب عينيه بناء الحضارة التي يحبّ أن يعيش فيها هو ومن يُحبّ ان يكون جزءً منها.

المقال 163
#عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...