الثلاثاء، 27 أبريل 2021

الجماهير متعطّشة للدّم



الجماهير ولعقها للدّم المُنهمر.
المقال 147

من سرق من؟، من ظلم من؟، من قام بفعلٍ لا أخلاقي؟، من وعدَ وأخلف؟، من يتحكّم؟، من خان؟، من كذب؟، كلّها أمور تؤرّق الجماهير، أقصد أن الذي يؤرقّها هو أن يكونَ "مَحبوبها" و"نجمها" و"بطلها" هو صاحب هذا الفعل الشرير، فيصبح ذلك الرّجل النبيل والقديس.. شيطاناً وجبَ أن يُجلد في الساحات العامّة، ليكون عبرة لمن يعتبر.
 حتى الذي لا يَهتمّ بذلك الانسان، أي لا يعنيه ذلك المحيط (الفني، العلمي، السياسي..)، يجدُ نفسه يميل لمعرفة ما قامَ به، وقد يُشارك في حملة رمي الطماطم عليه.
كلّنا نريد "أن نعرف" ما الفضيحة، ومن صاحب الفضيحة، للشماتة أولاً، لتغذية فضولنا، وضخّ جرعات لنرجسيّتنا "هناك أشخاص أسوء منّا".
أوّل تساءل يُطرح، هَل ادّعى هؤلاء المشاهير العفّة والصّلاح والايمان؟، إذا فعلوا ذلك فقد بَحثوا عن ذلك الجَلد، لكن الكثيرَ لم يفعَلوا، ومع ذلك، يُعاملون كأنبياءٍ خانوا العهد وغشّوا أتباعَهُم، ليس فينا رجلٌ يَسبَحُ في النّقاء، لا المشاهير ولا الجماهير.
ومن هذا المُنطلق ننطلق في كَسرِ أسطورة الجماهير الصّالحة، لأن الجمهور هو عبارة مجموعة أفراد، تماماً مثل المشاهير، مُعرّضين لغرائز واغراءات وإغراءات وشهوات وملذّات ووساوس وميول وخُبثٍ وحِيل، الّا أنّ القَدر لم يَضعُهم في اختبار مع الحياة. وأمام الملأ.
كُلّنا سيّئون، بالمطلق، الّا من أعرض عن الانصياع للسّوء الذي يكمنُ فيه، وهي نظرة تناقض فكر روسو الذي يَعتقِدُ بـ"براءة الانسان"، ثم "تلوّثه" عند الاحتكاك "بالمجتمع".
كُلّنا نريد ان نرى شخصاً يُهانُ ويُركل أمامنا، عندما يُعتقدُ أنّه "شرير"، ولا نُفكّر لوهلة في ماذا لو كنّا محلّه، ألن نَرجوَ التوبة والغُفران؟، هل نَحنُ بتلك الدّرجة من الوعي الرّاشد والصلاح..الذي نُفضّل فيه أن نُجلد على أن يتم العَفوُ عنّا؟
من المُستحيل أن يُفكّر الجَمعُ في ذلك، الجماهير لا تَجتمعُ الّا لرؤية الدّم، فاجتماع البشر هو مناداة للحيوانية، وافتراقهم مناداة للعقل والرويّة.
الجمهور هو عبارة عن أفراد لا أخلاقيّين يُحاولون فَرض الأخلاق على أفرادٍ مِنهُم، عقاباً على نجاحهم وتجاوزهم درجة التجمهُر (الحيوانية)، فيُجبرون المشاهير على التحلّي بسمحِ المسيح وحِلم محمّد وصبرِ أيّوبُ ويعقوبُ وقوّة موسى ولِسان هارون، وليسوا بآحادِ التّابعين!
"لقد قلت من قبل أن جمهور المسرح يريد أن يكون لبطل المسرحية فضائل مبالغ فيها، ومن الملاحظ أن الجمهور صاحب الصفات الدنيئة، يكون الأكثر قسوة في الحكم عن الأفراد.
"غالبًا ما يتذمر بشكل مبالغ فيه ذلك الكاذب المحترف، القوّاد، السفاح الساخر..أمام مشهد محفوف بالمخاطر إلى حد ما، أو ملاحظات خفيفة، غير ضار جدًا بالمقارنة بمحادثاتهم المعتادة." غوستاف لوبون، سيكولوجية الجماهير.
يَجب ان يفهم الأفراد، بأن تواجدهم أمام بعضهم البعض، هو أخطر ما يُمكن أن يَحدُث لوعيهم، ويَجدُ أحدنا نفسه وسط جريمة جماعية لا يَعرف من المتسبّب فيها..سوى أنّه ثار مع الثائرين على شيءٍ قد يُنهيه بحوارٍ هادئ أو بإعراض عن ردّ السوء بالسوء.
المشاهير ليسوا أنبياءً، حتى الذي ادّعى النبوة فيهم وجبَ ان يؤخذ على أنّه مجنون يشبه الكثير من المجانين المتخفّية بيننا.
أنظر نفسك في الآخر، في كلّ شيء، في أكبر العيوب التي فيه، وسف تعفو عنه.
_
لكلّ من أكمل المقالة، فليَنشُرها  في حسابه أو صفحته فضلاً.

Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق