التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الجماهير متعطّشة للدّم



الجماهير ولعقها للدّم المُنهمر.
المقال 147

من سرق من؟، من ظلم من؟، من قام بفعلٍ لا أخلاقي؟، من وعدَ وأخلف؟، من يتحكّم؟، من خان؟، من كذب؟، كلّها أمور تؤرّق الجماهير، أقصد أن الذي يؤرقّها هو أن يكونَ "مَحبوبها" و"نجمها" و"بطلها" هو صاحب هذا الفعل الشرير، فيصبح ذلك الرّجل النبيل والقديس.. شيطاناً وجبَ أن يُجلد في الساحات العامّة، ليكون عبرة لمن يعتبر.
 حتى الذي لا يَهتمّ بذلك الانسان، أي لا يعنيه ذلك المحيط (الفني، العلمي، السياسي..)، يجدُ نفسه يميل لمعرفة ما قامَ به، وقد يُشارك في حملة رمي الطماطم عليه.
كلّنا نريد "أن نعرف" ما الفضيحة، ومن صاحب الفضيحة، للشماتة أولاً، لتغذية فضولنا، وضخّ جرعات لنرجسيّتنا "هناك أشخاص أسوء منّا".
أوّل تساءل يُطرح، هَل ادّعى هؤلاء المشاهير العفّة والصّلاح والايمان؟، إذا فعلوا ذلك فقد بَحثوا عن ذلك الجَلد، لكن الكثيرَ لم يفعَلوا، ومع ذلك، يُعاملون كأنبياءٍ خانوا العهد وغشّوا أتباعَهُم، ليس فينا رجلٌ يَسبَحُ في النّقاء، لا المشاهير ولا الجماهير.
ومن هذا المُنطلق ننطلق في كَسرِ أسطورة الجماهير الصّالحة، لأن الجمهور هو عبارة مجموعة أفراد، تماماً مثل المشاهير، مُعرّضين لغرائز واغراءات وإغراءات وشهوات وملذّات ووساوس وميول وخُبثٍ وحِيل، الّا أنّ القَدر لم يَضعُهم في اختبار مع الحياة. وأمام الملأ.
كُلّنا سيّئون، بالمطلق، الّا من أعرض عن الانصياع للسّوء الذي يكمنُ فيه، وهي نظرة تناقض فكر روسو الذي يَعتقِدُ بـ"براءة الانسان"، ثم "تلوّثه" عند الاحتكاك "بالمجتمع".
كُلّنا نريد ان نرى شخصاً يُهانُ ويُركل أمامنا، عندما يُعتقدُ أنّه "شرير"، ولا نُفكّر لوهلة في ماذا لو كنّا محلّه، ألن نَرجوَ التوبة والغُفران؟، هل نَحنُ بتلك الدّرجة من الوعي الرّاشد والصلاح..الذي نُفضّل فيه أن نُجلد على أن يتم العَفوُ عنّا؟
من المُستحيل أن يُفكّر الجَمعُ في ذلك، الجماهير لا تَجتمعُ الّا لرؤية الدّم، فاجتماع البشر هو مناداة للحيوانية، وافتراقهم مناداة للعقل والرويّة.
الجمهور هو عبارة عن أفراد لا أخلاقيّين يُحاولون فَرض الأخلاق على أفرادٍ مِنهُم، عقاباً على نجاحهم وتجاوزهم درجة التجمهُر (الحيوانية)، فيُجبرون المشاهير على التحلّي بسمحِ المسيح وحِلم محمّد وصبرِ أيّوبُ ويعقوبُ وقوّة موسى ولِسان هارون، وليسوا بآحادِ التّابعين!
"لقد قلت من قبل أن جمهور المسرح يريد أن يكون لبطل المسرحية فضائل مبالغ فيها، ومن الملاحظ أن الجمهور صاحب الصفات الدنيئة، يكون الأكثر قسوة في الحكم عن الأفراد.
"غالبًا ما يتذمر بشكل مبالغ فيه ذلك الكاذب المحترف، القوّاد، السفاح الساخر..أمام مشهد محفوف بالمخاطر إلى حد ما، أو ملاحظات خفيفة، غير ضار جدًا بالمقارنة بمحادثاتهم المعتادة." غوستاف لوبون، سيكولوجية الجماهير.
يَجب ان يفهم الأفراد، بأن تواجدهم أمام بعضهم البعض، هو أخطر ما يُمكن أن يَحدُث لوعيهم، ويَجدُ أحدنا نفسه وسط جريمة جماعية لا يَعرف من المتسبّب فيها..سوى أنّه ثار مع الثائرين على شيءٍ قد يُنهيه بحوارٍ هادئ أو بإعراض عن ردّ السوء بالسوء.
المشاهير ليسوا أنبياءً، حتى الذي ادّعى النبوة فيهم وجبَ ان يؤخذ على أنّه مجنون يشبه الكثير من المجانين المتخفّية بيننا.
أنظر نفسك في الآخر، في كلّ شيء، في أكبر العيوب التي فيه، وسف تعفو عنه.
_
لكلّ من أكمل المقالة، فليَنشُرها  في حسابه أو صفحته فضلاً.

Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...