التخطي إلى المحتوى الرئيسي

VENI VEDI VICI



يوليوس قيصر: "veni vedi vici" (أتيت، رأيت، ثم فزت)

هذه العبارة اللاتينية المنسوبة إلى يوليوس قيصر (100 - 44 قبل الميلاد) تمثّل مأثورة خالدة في إرادة القُوّة، مأثورة مُختصرة دغدغت مشاعر من بعده، حاملين لواء الانتصارات مثل نابليون بونابرت.
المقال الـ118 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف
_
يوليوس جنرال وسياسي روماني ارتقى الى قَيصر، يعطي شكله العام فكرة عن جوهر مقولته، فقد كان شخصاً فعلاً، وفي نظر من هم غير وثنيين، فقد كان الفاتح المُبهر.
حيث عبر بهذه الصيغة المستفزّة للاشارة إلى نجاحه السهل والسريع.
هذه الجملة الموجزة "جئت، رأيت ، فانتصرت" ، جاءت بعد انتصار سريع غير مُتوقّع ، كان من قد كتبها قيصر الجمهورية الرومانية في رسالة ووجهها إلى صديقٍ له ليعلن له عنانتصاره المدوي ، في 2 - 47 أوت ، والذي كان ضد على فارناس الثاني ، ملك بونتوس، المملكة السابقة لآسيا الصغرى "تركيا" ، في بونت إوكسين.
إن سرعة عمل يوليوس قيصر يُضرب بها المثل، فقد سمحت له بالفوز على أعداءه واحد تلو الآخر، خاصة في الحرب الأهلية التي كانت تلاحقه من عدوه بومبي.
انتصرعليه قيصر في فارساليا، في أوت - 48 ،الذي كان فاراً إلى مصر ، حيث اغتيل بأمر من الملك الشاب بطليموس الثالث عشر، ومن تم أعطى Pharsalus القيصر يوليوس السلطة العليا.
لكن كيف وصلت إلينا هذه الكلمات القوية؟ هل نطقها يوليوس قيصر بنفسه فعلاً؟ أم أنه نتاج كاتب قديم يعمل على رواية وطنية لإيطاليا؟
هنا يبدأ البحث في عالم اللغة وعلم التاريخ، ولنبدأ بالمصادر،وفقًا لـ Suetonius ، De vita duodecim Caesarum libri ، Caesar ، XXXVII ، 4، ظهرت هذه الكلمات في أبهة نصر قيصر عندما عاد إلى روما يومها، بعد أن حقق نجاحه المبهر على فارناس، فقال باللاتينية:
"ueni, uidi, uici , non acta belli significantem sicut ceteris, sed celeriter confecti notam."
« وفي انتصاره (في الحرب) على بونتوس ، بين زخارف النصر ، حُمّلت لوحة مرفقة بهذه الكلمات الثلاث:" جئت ، رأيت ، انتصرت " التي لم تسرد كل الأحداث التي وقعت في الحرب ، بل فقط ما ميزت سرعتها »
وجاءت باليونانية هكذا:
καὶ τῆς μάχης ταύτης τὴν ὀξύτητα καὶ τὸ τάχος ἀναγγέλλων εἰς Ῥώμην πρός τινα τῶν φίλων Μάτιον ἔγραψε τρεῖς λέξεις• « Ἦλθον, εἶδον, ἐνίκησα ». Ῥωμαϊστὶ δ´ αἱ λέξεις, εἰς ὅμοιον ἀπολήγουσαι σχῆμα ῥήματος, οὐκ ἀπίθανον τὴν βραχυλογίαν ἔχουσιν. Vies parallèles, César, الصفحة 50.
"ومن اجل اثبات سرعة هذه الحرب، كتب إلى أحد أصدقائه أمانتيوس في روما ، ثلاث كلمات:
أتيت ، ورأيت ، و هَزمت، هذه الكلمات الموجزة ملفتة للنظر."
في كلتا الحالتين ، يُلاحظ أن الأمر ليس مسألة كلام ، بل مسألة كتابة ورواية، ومهما يكن ، فإن الأجيال جعلت منها كلمات مجد المنتصر يوليوس قيصر.
وقد كان هذا الأسلوب الشاعري والروائي من اكثر الأساليب للتسوق والتشهير بالعظماء عبر التاريخ، وأخذ هذا المنحى عديد الشخصيات، وقد أصبحت تدون كلماتهم في الجدران للتخليد وصناعة الصورة الأسطورية.
انتهى

#عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...