التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بيع الوهم !

 

مقالة الكاتب عماد الدين زناف : تسويق المؤامرة.
___
الكاتب مثل غيره من الناس ، شخص عمل كثيراً في مجالات متوسطة ، تعرض لنفس المعيقات و وجد بعض الامتيازات، نظرة الكاتب للعامل و من لا يعمل ، للمستقل و للمُكبّل ، للعبد و الحرّ ، في الفكرة او القوت، هي نفسها ، الكلّ ضحية للظروف، داخل كثير من الأقواس طبعاً.
جميعهم يلجئون لنظرية المؤامرة، عندما يتعرّض احدهم لعرقلة ما ، يتهم الآخر بالتخطيط له، و لطالما عُرفت المؤامرة انها تدبير المكائد من القوي للسيطرة على الضعيف ، لكن الاشكالية ان اذا كان الضعيف ضعيفاً في ذاته لما يؤامر عليه ؟، و بعد مدة من بعض التراكمات المعرفية و التحليلات العقلانية السياسية و التاريخية .. وجدت مربط الفرس لهذا السوق المُربح.
هناك صراع عمودي و صراع افقي ، الصراع العمودي هو محاربة المَحكوم للحاكم اي حجة المحكوم هو الظلم و التعسّف ، ثم التعاون مع اطرافٍ لتثبيت الحكم او للسيطرة على المحكوم، و هناك صراع افقي بين الحكام انفسهم و المحكومين انفسهم، بين الحكام صراع تقيّد المناصب، و بين المحكومين صراعات عرقية دينية ايديولوجية و مذهبية.
بين كل هذه الصراعات هناك وسيط ، يتّفق عليه الطرفان كأم المؤامرات ، اليد الثالثة الخفيّة، التي تهدد كيان الحكام "العادلين" و الشعوب "المؤمنة" ، كلاهما يستعملون نفس الطرف لكل شيء و لـ لا شيء.
المتتبع لثورات الشعوب تاريخيا يعرف ان ليس هناك ثورة "ناجحة" الا تلك التي دمّرت البنك و النقد و سوق الذهب و القدرة الشرائية ، اي سياسية تدمير البلد كليا لبنائه من جديد و على اسس جديدة، و المتهم دائما لا الحاكم و لا المحكوم بل الطرف الثالث.
بين الشعوب انفسها، و ضمن الحرب الافقية، يتهم بعضهم بعضا بالسحر و الحرب الالكترونية و التبليغ و الوشاية و استعمال المعارف لكسر الآخر او التمييز بين الافراد.
هذه الفقرات عي مجرّد مقدمة للطرح الذي اتيت به و هو سياسة "تسويق المؤامرة" ، كيف تصبح المؤامرة من الشر المطلق الى مصدر ربح و نجومية؟، اي اصبح الناس يعتلون الشهرة على جثث المخاوف و الناس لا تدرك ذلك بعد؟.
هناك ناس يغالطون و يستهزؤون بأفراد ..يدعونهم لمحاربة قوى الشر في الوقت ذاته، ان رسالتك تذهب للشخص الخطأ عندما تحاول إيقاظه من سبات التبعية و الخضوع للشر ..و الشر و التبعية مصدر قوته اليومي، اذا لم يمنح الفرد نفسه مساحة للراحة و التفكير فلن يخطو لفهم اي قوى شر او مؤامرة، بل سيفهم الامور بشكل مغلوط و غير صحيح.
اذهب و اطرق باب روكفيلر او روتشيلد او بيدلبرغ او مورغان ، اطلب منهم توضيحات حول مشروع البيدوفيليا الشيطانية و سوق الاسلحة و السحر الأسود و النقود الورقية ، اطلب من الكنيسة الشيطانية ان تشرح لك سبب قلب شعار المسيح و القصد من ذلك ، لا تستطيع؟
اذا اقرأ ما سوف اقوله لك، اذا يوما جلبت معلومة من لسان احدهم او من اي طرف كان، انت و قناتك و حسابك تصبحون في خبر كان، هذا ما هو مؤكد في نظرية المؤامرة كلّها.
ما الذي يحدث؟، ارى بعض الناس يتعاملون مع هؤلاء العوائل و التكنولوجيا و الخطط و السحر كالرب الذي لا نستطيع معه شيئا ، ثم يباحون لنا بقى ربهم و يحذّروننا منه.. و يتركهم ربهم هذا بلا عقاب؟ بل و يضيف لهم نجومية على نجوميتهم الأولى ؟!، هل هم اعلى مما يبوحون به؟ هل يعتقدون ان لا قدرة لهم على ايذائهم ؟ ، هل يعتقدون انهم فعلا يبوحون للعالم اسرارا لا يعرفها الا هم ؟ .. لدي الأجوبة..ارتاحوا.
ما داموا يتكلمون على قوى الشر على انها ربّ يتحكم في الجوّ و الجن و الفلك و البحار ..و في التاريخ و المستقبل و الأمراض و الغذاء و مصير الدول، بلا حلّ، بلا تهديد، بزيادة نجوميّة ، بزيادة تسويق ، بجوائز و مشيخيّة ، فاعلم انه تسويق لذلك الرّب و قربان ، و انها نجوميّة على جثث المخاوف و الشهوات و الميولات المازوخية لجلد المشاعر، انت تفضحهم و هك ينظرون اليك ، و الشعوب لا تتكلم الا عن هذا و هم ينظرون اليهم، لا ، لا احد ينظر فحسب ، المدّعي بيعك القول و يشتهر ، و انت تشتري القول و تُشهر به.. و الطرف الثالث لا يعتد بكما.
الذي يحدث ليس وليد اليوم، ليس لأنك جاوزت المراهقة  و فتحت عينك على الدنيا اذا بدأت هذه النظريات مع استيقاظك.. لا، كل ما يحدث بدأ منذ السومريين و البابليين، من يسوّق للمؤامرة في ثوب الناصح مجرد آلة موسيقية لها.
اذا نظرت لهم كأرباب ، فانظر لمن يكلّمونك عنهم كرسلهم، لان الرسول لا يمدح فقط بل يحذر من غضب ربه.
اياك ان تشتري شيء يحمل قصص المؤامرة ، لان تلك القصص مجانية، و اعلم ان من يملك الحقيقة اما مسحورٌ او ساحر، و اعلم ان من يستحوذ على حق الكلام و النجومية و يتكلم لك على المؤامرة بالترهيب و التخويف و التعليم، ما هو الا نبيّ كاذب كما قال عيسى عليه السلام.
و قال الرسول صلى الله عليه و سلم ، سيكون ثلاثون دجّالا قبل خروج الاعور فاحذروهم .. و الدجّال هو نبيّ كاذب.
اقفلوا و اغلقوا مواضيع المؤامرة و اتركوا لأنفسكم مساحة للعلم و الدين و الفكر ، لانك مهما جهلت خططهم فسلاحك اقوى، و الا ، مهما علمت خططهم بل سلاح لك و انت مجرد منتحر.

___

#عمادالدين_زناف

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...