هذه الرواية (حاكم: جنون ابن الهيثم) عبارة عن نكسة حقيقية في الأدب التاريخي، أسلوبًا وتركيبًا.
كنتُ أَنتظر شيئًا يعيدني إلى العصر الفاطمي، إذ بي أقرأ أدبَ الأطفال بأسلوبٍ سرديٍّ مملٍّ حدَّ الانفجار.
في العادةِ لا أنشر آرائي حول الروايات، لأن الرواية — بالنسبةِ لي — متعةٌ وذوقٌ يختلفانِ من كاتبٍ إلى كاتبٍ ومن قارئٍ إلى قارئٍ، إذ ليست محلاً للتقييم الصارم الذي نحكم به على الكاتب أو على ميلِ القارئ. لكن عندما يرتفع شأنُ مفكّرٍ ما وتنتشر كتبه، ويُدّعى فيه وفي كتابه ما ليس في غيره، سواءً من صاحبها نفسه أو من محبيه، وعندما نعرف أن هذا النوع من الروايات يفتح بابَ التاريخ (التاريخ كعلمٍ قائمٍ بذاته)، فهنا وجب التوقفُ قليلاً لمراجعة الأمر.
للدكتور يوسف زيدان أعمالٌ جيّدةٌ جدًا وتحقيقاتٌ مهمة، إذ ليس من الغريب أن أيَّ كاتبٍ لسبعين مؤلَّفًا يُوفَّق توفيقًا كبيرًا في عشرة مؤلَّفاتٍ منها.. فليس القصد استنقاصَ الرجل، إنما العتبُ على إطلاقِ دعايةٍ لمشروعٍ لا يرقى لكلّ هذه الصفحات.
الأمور المزعجة في هذه الرواية تكاد لا تنتهي. أولًا: الإطالةُ والمماطلةُ والحشوُ والمبالغةُ في التفاصيل... 365 صفحة ليست فيها من الرواية إلا نصفُ هذا العدد مع المُبالفة. هل يُعقَل أن تكون مقدمةُ الرواية 70 صفحةً كاملةً (خارجَ زمنِ الرواية)؟ أفهمُ أن هذه الطريقة تستخدم لِوضعِ القارئ في السياق العام، لكن ألم تُعلّمك كلُّ هذه السنواتِ والتجارب والنجاحات كيف تُجمِعُ الكلام وتختصره بأسلوب بليغ؟ -المشكلةُ الأكبر أن عندَ بدايةِ الرواية أخيرًا لا نجد فرقًا بينها وبين المقدمة: نفسُ الأسلوبِ والتوصيفِ والمماطلةِ لوضعِ القارئ في السياق. يا سيدي، إن القارئ النهم للروايات لا يمكنه أن يقبل بهذا الأسلوب الفاضح في تضخيمِ الصفحات.
بعد هذا، نقتحم صلبَ الرواية، وهنا تكمن المصيبةُ الثانيةُ التي قام بها الروائي، وهو استعمالُه لشخصيةِ (حفيدِ عمرو بن العاص) كقاصٍّ للتاريخِ منذ فتحِ مصر إلى غايةِ الحاكمِ الفاطميِّ الذي يعاصره. أولًا، كان الأجدرُ أن تكون هذه الطريقةُ مقدمةً في أربعِ ورقاتٍ مكثفةٍ، ثم تبدأَ في قلبِ الروايةِ على لسانِ هذه الشخصية. لكنك اخترتَ طريقةً ساذجةً، وهي جعلُ هذا الشخصِ كأنه علامةٌ يعرف التاريخَ بكلِّ تفاصيلهِ ويسرده بدقَّةٍ في ذلك الزمنِ .. إذ تشعر أن الشخصية عبارةٌ عن "ويكيبيديا".. طريقةُ سردٍ جافة كأن هذه الشخصية المصرية الفاطمية تخاطبُ القارئَ (سنة 2021) مباشرةً. كأنّه سافر عبر الزمن أو يعيش بين زمنين. بهذا نستشعر صعوبتَك في إيجادِ طريقةٍ للدخولِ في الروايةِ والزمنِ الفاطمي. ثم إن القارئُ لأولِ مئةِ صفحةٍ سيعتقد أن هذا الشخصَ أعلى منزلةً من ابنِ الهيثم ذاته، «نجم الرواية».. وصاحب العنوان هو والحاكم بأمرالله!
المصيبةُ الثالثة في هذه الرواية هي أنك أطلتَ في المقدمة ما شاءَ الله، وفي داخلِ الرواية أطلتَ النفسَ لتبرز "ثقافتَك المذهبية والتاريخية لتلك الحقبة".. وعندما وصلتَ إلى فتحِ مصر على يدِ الفاطميين، قفزتَ مباشرةً إلى دخولِ جوهرَ الصقْلبيّ من المهديةِ، حتى ذكرتَ ابنه وتجاهلتَ ذكرَ كُتامة تمامًا، بالرغم من أن شخصيةَ "جعفر بن فلاح الكتامي" مذكورةٌ في كل كتب التاريخ وخصوصا تاريخِ المقريزي الذي تعتبره مؤرخَك المفضلَ لكلِّ الأوقات. فهل كان جعفر في عطلةٍ أثناءَ كتابتكَ للرواية؟ أين دورُ كتامةَ في البلاط؟ أم أنك لم تك تعلم أن الفاطميين لا شيءَ لهم دون كتامة؟ دونهم لم تكن لهم لا قاهرةٌ ولا معزٌّ، ولا جاء ابنُ الهيثم ولا راح.. ولا أيُّ شيءٍ من هذا!
إذا، روايتُك يا سيدي تحتوي على 3 أخطاءٍ قاسِمةٍ هي عمود هذا النوعَ الأدبيَّ «الحساس»، فهي: المماطلةُ والاستفاضةُ بغيرِ داعٍ (تضخيمُ الصفحات)، الخللُ الكامنُ بين الراوي أوالكاتب (أنت) والشخصيةِ الراوية، إلى حدِّ أننا لا نفصل بينكما إلا بصعوبةٍ، وأخيرًا (البترُ التاريخيُّ) لشخصياتٍ أو جماعاتٍ أساسيةٍ في تلك الحقبة.
التقييم 1.5/10
#عمادالدين_زناف
تعليقات
إرسال تعليق