الثلاثاء، 4 فبراير 2025

هل نحن مستعدون للكمّ؟ (لا)




هل نحن مستعدون للكمّ؟ (لا)
مقال علمي فلسفي.

تعتمد الحَوْسبة الكمّية على مبادئ ميكانيكا الكم، وهي علم يخالف فهمنا التقليدي لاستعمال الكمبيوتر، وذلك من خلال السماح للجسيمات بأن تكون في حالات متعددة في نفس الوقت والتفاعل آنياً رغم المسافة بينها!

على عكس الحواسيب التقليدية التي تستخدم وحدات
 البت (0 أو 1)، تعتمد الحواسيب الكمّية على وحدات الكيوبت، التي يمكن أن تكون 0 و1 في آنٍ واحد! بفضل خاصية التراكب الكمّي، وعند دمج هذه الخاصية مع التشابك الكمّي، يصبح من الممكن تنفيذ حسابات متوازية بسرعة غير مسبوقة.

لتمثيل هذا، تخيل شخصا يخل معادلة بيده اليمنى، ومعادلة أخرى بيده اليسرى، وعيناه تقوم يحساب معادلة ثالثة، في نفس الوقت.

والمثال الواضح على هذه القوة هو البحث في قواعد البيانا، فبينما يحتاج الحاسوب التقليدي إلى فحص كل إدخال واحدًا تلو الآخر، يمكن للحاسوب الكمّي، باستخدام خوارزميات متخصصة مثل خوارزمية جروفر، استكشاف عدد هائل من الاحتمالات بشكل متوازٍ وتعزيز فرصة العثور على الإجابة الصحيحة في وقت أقل بكثير.

 هذه القدرة الفائقة تتجاوز تمامًا الفهم التقليدي المبني على المنطق الثنائي، بل هي تخترق الفهم التقليدي لعمل العقل، لذلك، فإن العقل لن يجاري هذا، وسيصبح الإنسان مجبرا على وضع ثقته الكاملة في النتائج الآلية، لأنه لن يلحق زمنيا لفهم كل شيء، الحاسوب الكمي سيبقى متقدمات بسنوات طويلة، حتى وأنت معه في نفس الغرفة.

إن هذا التطور، الذي وضعت أسسه، لكن العالم لا يزال غير مستعدا له, يثير تساؤلاً..

- كيف سنتمكن نحن البشر -كما أسلفت- من إدراك وفهم هذه الإمكانيات الجديدة؟-

 لن يكون الحاسوب الكمّي أداة يمكن التعامل معها بسهولة كما هو الحال مع الحواسيب التقليدية، بل سيعمل كصندوق أسود يقدم نتائج دون أن نتمكن دائمًا من استيعاب كيفية الوصول إليها، ودون أن نتمكز من طلب الشرح والتفسير.

 ستصبح أنظمة التشفير الحالية عديمة الجدوى، لأن الحواسيب الكمّية ستتمكن من فك الشفرات الأمنية في وقت قياسي، مما سيغير جذريًا مفاهيم الأمن السيبراني كذلك.. ومن جهة أخرى، فإن التقدم في مجالات مثل التنبؤ بالطقس، والكيمياء، والذكاء الاصطناعي سيكون ثوريًا وبوتيرة قد تكون أسرع مما نستطيع استيعابه، لذلك كل المؤشرات تفضي إلى أنه سيصبح أقوى من اببشر ويستقل عنهم، ليس لأن به جن أو روح، بل لأن البشر صنع طاقة أكبر من حجمه بكثير، صنع شيئا لا يفهمه.

الخطر الأول يكمن في ضحالة عقل البشر في ذلك الزمن، فكلما ازدادت قوة التكنولوجيا واستقلاليتها، قلّ احتياجنا للتفكير الذاتي.. وإذا أصبحنا نعتمد كليًا على هذه الآلات في اتخاذ القرارات وحل المشكلات المعقدة، فقد نصبح أقل قدرة على الفهم والتفكير النقدي، بل وسنصبح أكثر غباء من أي فترة زمنية سابقة، هل يعقل أن نصبح أغبياء في فترة يتم اختراع فيها أكبر تكنولوجيا منذ خلق الأرض؟ نعم.

إذا كنا اليوم، مع استعمالنا لشات جيبيتي وبعض المواقع والتطبيقات، أصبحنا أقل كفاءة للفهم والحفظ والتركيز.. فما الذي سيحل بنا عندما سنصل لزمن لا نضطر ليه حتى للمشي أو الكلام مع الآخر؟ فهل سنصبح معاقين لقلة استعمال بعض الأطراف والأعضاء؟ هل ستنقرض بعض المصطلحات بفعل انقراض بعض الأفعال؟  هل سيتغير شكلنا الفيزيولوجي بسبب  التخلي عن كثير من الحركات؟ ..

 لكن أهم شيء الآن، مستعجل جدا، هو أن نعرف ما إذا حل هشام كوك قضيته الشخصية، وإذا ما كان أستعمال الانترنت في مؤسساتنا شيئا مهما.

#عمادالدين_زناف

الأحد، 2 فبراير 2025

نظرية اللمبوبة - خزناجي نواري




نظرية اللّمبوبة.. سنة بعد الزعبوبيّة.
مقال عماد الدين زناف.

في مقال السنة الفارطة -6 جانفي 2024- بعنوان "نظرية الزعبوبيّة"، تناولتُ بشكل عام تحليلات السيد خزناجي نواري، بحيادٍ تام، فالقضيّة ليست في استحسان أو استنكار ما يعرضه، ففي نهاية المطاف، في هذا الفضاء، يتلخص دورنا جميعا في عرض ما لدينا ليسَ إلا. فلا هو، ولا نحن نملكُ السلطة التنفيذية لكي تصبح أفكارنا المعروضة شيئا حاسمًا. إذ كان الهدف من المَقال الأول هو لملَمَة أهم أفكراه التي طرحها من خلال قناته على يوتيوب، وعليّ القول أن، حتى لو اختلفنا معه، فإنه يقدّم أفكار حصريّة لا نجدها في مكان آخر، (وإن كانت الأفكارالمختلفة تماما ليست ضمانةً على النجاعة) لكنها تبقى محاولات جادّة، خاصة في جُزئيّة عدم تكرار ما يقال في كل مكان، لهذا تبقى له بصمته من هذه الحيثية.   
في السنة الماضة، تركّزَ الحديث كثيرًا عن الرئاسيات، عن الشأن الداخليّ، عن التحوّلات في الشرق الأوسط مع اهتمام بالغ لما حدث في فلسطين. عدا الرئاسيات التي مرت كما استشرف فعلا، أي تمّ تقديمها وكان ما كان، فإن كل القضايا الأخرى ما زالت حديث الساعة، لكن، لكي نتفادا التكرار، ولكي نجمع أكبر عدد ممكن من الأفكار، أقترح أن أضعَ تسع عناوين فرعيّة، أحاول فيها تلخيص تلكَ النقاط، وفي نهاية المطاف، سنرى أن كل القضايا ستصبّ في واحة واحدة، فكما قال هارون الرشيد " أيها الغمام أمطر حيثُ شئت، فخراجك سيعود إليّ".

1- عَبَثُ إيران بالخليج.
المُلاحِظ للحركة غير العادية التي حدثت في الشرق الأوسط، بسقوط نظام الأسد "بسهولة تامة" أو لنقل باستسلامٍ تام، قد يستاءل عن دور عملاقَيّ المنطقة، روسيا وإيران، فإذا بُرّر فعل روسيا المُنهكة والغارقة في "الوحل الأوكراني"، فجمود إيران التي لم تجدّ المبرّر اللازم للتحرك الفعلي في المنطقة، أو كما يقول "توحيد الساحات" وتحريك نفوذها في الدول المحيطة.. يبقى لغزًا للجميع، فإيران "خذلت" مخطط "الوكلاء العرب" – سأعود إليهم لاحقًا- وسمحت للمعارضة السورية بقيادة تركيا وكذا للكيان في الآن ذاته بأن يأخذا سورية دون مقاومة، وكأن إيران تقول للجميع أنها ليست ذلك "الثور الهائج" الذي عُوّلَ عليه ليتم ضرب "الظالمين بالظالمين" ويضحي بنفسه من أجل سواد عيون أي نظام، أو أي قوة عالمية مادام بعيدًا عن العراق، الذي يعدّ الخط لأحمر لها. المُراقِب للوضع الحالي سيكتشف أن إيران قد غيّرت استراتيجيّتها وآثرت التريّث قبل أي خطوة، فإيران التي لم تُستَفزّ باغتيال إسماعيل هنية، ولا باغتيال رئيسها، ولا بخسارة سورية وبالتالي خط إمداد  لبنان، فهي لن تعبث بالخليج، ولن تضيّق على مضيق هرمز إلى بإشعار أكبر من هذا بكثير. 

2- سقوط الإتحاد الأوروبي.
إن النظام الدولي القديم القائم على الاتحادات الكلاسيكية التي أُنشأت أساسًا إثر نتائج الحرب العالمية الثانية، قد بلغ حدّهُ وشاخ، فالنظام الدولي الجديد لا يستطيع أن يتعامل مع الدول بالأساليب القديمة، فنحن ذاهبون إلى العالم الرقمي، العالم اللا ملموس، عالم كل شيء فيه إلكتروني، فهو ليس بحاجة لكل هذه المنظمات، فالدوافع القديمة على بقائه قد انتهت، وأكثر من ذلك هو أن حروب الجيل الجديد ليس "للدول" فيها نفع ولا ضرر، لأن الذي سيستلم القيادة بشكل رسمي هم الشركات، الشركات التي ستتعامل بالعملات " أو العملة" الرقمية. لذلك نلاحظ أن الكثير من البلدان الأوروبية التي تلقت "اشعارات" بزوال هذا العالم القديم، قد بدأت في إقامة علاقات بشكل فردي مع بلدان خارج الاتحاد الأوروبي، أو لنقل، بدأت تحجز مكانتها من الآن، تحسّبًا، فإذا سقط الاتحاد، ستجد مباشرة المنفذ الذي يقلل من أضرارها، ولكن الضرر قادم لا محالة، خاصة عند مرحلة الاختناق بالديون.

3- الاختناق بالديون.
هذه المرحلة هي الأصعب، وهي المرحلة التي نحن مقبلون عليها، بالبلدان التي عليها ديون كبيرة تجد نفسها بين نارين، نار التسديد أو المشاركة رغمًا في بناء النظام الدولي الجديد. إن الصين، التي تسعى للانقضاض على العالم، تعلم تماما أنها فرصتها لابتلاع كل تلك الدول وشراء ديونها مقابل الاستثمار، فالصين هو البلد الوحيد الذي يعلم "تطبيقيا" أن المال لن يصبح له قيمة، إنما الاستثمار، لذلك، فديون تلك الدول لن تسقط أبدًا حتى لو انتهى التعامل بالعملة القديمة واقتحمت الدول عالم التعامل بالعملة الإلكترونية. الولايات المتحدة بحنكتها تسعى لتحويط هذا المسعى بالمسارعة في انتاج عملة إلكترونية مقرونة بالدولار، لكنها عملية خطيرة قد لا تُفضي إلى المُبتغى، لأن الولايات المتحدة كذلك ستجد نفسها بين نارين، قبول التنازل على القطبية والدخول في مصاف الدول القوية لكن تحت حكم الشركات، أو المشاركة غصبا عنها.. وما يخلّفه هذا من كوارث قد تصل إلى حد الاغتيالات. 

4- سقوط القطبية.
الأمر بدأ يتّضح، العالم الجديد لا يقبل بالبُعبُع الأوحد، فالصين التي ستقترف الخطيئة وتهجم على تايوان، ومع استشرافها للعقوبات ومحاولتها الالتفاف عليها، إلا أنها لن تستطيع القفز أعلى من ذلك، فالعالم يحتاج إمكانيات الصين، لكنه يرفض أن تقف على قدميها، بل تبقى تعمل وهي على الأريكة، لذلك، فإن العالم يعمل على اختيار مكتب للصين، لا تكون فيه قادرة على المراوغة، ذلك المكتب الذي لا يمكنها أن تبتزّه بالديون مثلا، والمعطيات تقول أن الجزائر مهيئة للعب هذا الدور، إذ أن الجزائر دولة لا ديون لها، ولا تطرّف في علاقتها، أي أنها منطقة تلاقي خصوم الكوكب.

5- منطقة تلاقي الخصوم.
الجزائر بلد حكيم في المنطقة، فهي تتعامل مع الأَضداد، من جهة تتعامل مع روسيا والصين –بشكل أٌقل حاليا-، ومن جهة توقع على شراكات مع الولايات المتحدة وبريطانيا. إن أهم نطقة تتوفر عليها الجزائر هي هذه، همزة الوصل بين الجميع، فالجزائر يمكنها أن تفك الخناق على أزمة بين ايران وعمان، بين الكونغو ورواندا، بين روسيا وأوكرانيا، أن تعادي بشكل علني الجمهورية الخامسة الفرنسية وتقيم علاقات مع الاتحاد الأوروبي كهيئة، أو كدول متفرقة كإيطاليا. هذه العوال قل ما تجدها في بلد آخر إلا في الدول التي تملك حق الفيتو. فهي بلد كهذا، في منطقة استراتيجية، بثروات ومساحات شاسعة، يمكن تعويضه ببلد آخر في منطقة ملتهبة وغير مستقرة في الشرق الأوسط أو دول إفريقيا؟ .. 

6- توسع الكيان الأم، وخطة الكيان bis
إن الكيان باقٍ في مسعاه، وهو التمدد، سواءً بحكومة نتن ياهو أو بحكومة ونظام آخر، الاختلاف هو في نوعية هذا التمدد، فإذا كان جيل نتن ياهو يستعمل أسلوب القوة، فالجيل القادم سيعود إلى الصهوينية الأم، أي العمل بالدعاية والحيلة، لذلك فإن الجيل الجديد سيكون أخطر وأمكر على العالم بأسره. أما الكيان بيس، الذي اختارته "الغرفة المظلمة" أن يكون المغرب الأقصى، فإنه وسيلة للقز على الأحداث، فالمغرب الأقصى منفذ آمن للجيل القديم، ولكنه أيضا منطقة إنهاء سيطرة فرنسا على إفريقيا، وكذا هو ساحة إنهاء كل كهنة ووكلاء نظام الكيان القديم الذي سيسقط لا محالة. 

7- سقوط "العَرڨ" الإفريقي الفرنسي.
لن يكون لبقاء الجمهورية الخامسة معنى في العالم الجديد، لأن قوانين الجمهورية الخامسة لا تتماشى والعصر الجديد، لذلك فإن إسقاطها حتمية براغماتية. إلا أن عملية اسقاطها تحتاج إلى كبش فداء، وكذلك مصوغ أمام الرأي العام الفرنسي والغربي عامةُ، لذلك فإن العداوات الدولية لفرنسا تعد من ضمن هذه المصوغات، كذلك رغبة فرنسا في لعب دور أساسي في بناء النظام الدولي الجديد يجعلها تقدم له القرابين، وأهمها هو التخلي "مؤقتا" عن حصتها في إفريقيا، لصالح بريطانيا، إذ أنها تعلم أنها عندما تتمكن من التكنولوجيا القادمة، ستعود إليها إفريقيا بنفسها للعب دور الوكيل، لأن إفريقيا لن تستطيع اللحاق بالعالم الجديد بشكل أكيد.

8- سقوط الوكلاء.
إن بعض الدول العربية، مثل الإمارات وقطر والأردن ومصر والمغرب الأقصى، إضافة إلى تركيا، قد تعبوا كثيرًا في سبيل استمرار ريادة أمريكا وشريكها الأول الكيان، وقد ظنوا الظنون أن سورية كانت لتخلصهم من الجميع في آن واحد، لكن وكما ذكرت، خذلتهم إيران، كما خذلتهم الجزائر عندما ظنوا أنها ستعلن الحرب على المغرب الأقصى عندَ اخضاعه للكيان، مع تكثيف التحرشات والاستفزازات.  إذ سيكون المغرب الأقصى، الذي اختار بنفسه أن يستقبل بقايا الكيان، وكذا الوكلاء، الذين إلى حد الآن مازالوا يدفعون في مكانه كل ما يريده ويشتهيه، سيكون ساحة فناء الجميع، عدا فرنسا، التي راوغت الجميع وضمنت حصتها من المغرب المقسّم لاحقًا، وذلك ببيعها للملك الصحراء الغربية "بالكلام".

9- الهدايا المسمومة.
لقد رأينا أن على عكس إيران والجزائر، فإن المغرب الأقصى والوكلاء جميعا قد ابتلعوا الهدية المسمومة التي قدمتها لهم الغرفة المظلمة، فرصة الانقضاض على خصومهم وكسب المزيد من المزايا والنفوذ، فلم يستطيعوا المقاومة، فحدث لهم ما حدث للمسلمين الذين حذرهم النبي من الاقتراب صوب الغنائم، ولكنهم لم يقاوموا، فلاقوا الويل من خالد بن الوليد قبل إسلامه حينها.  كذلك ستقع الصين لا محالة، فتايوان ليست منطقة يستطيع بلد كالصين أن يقف عاجزا أمامها، كذلك بيد تايوان تكنولوجيا فريدة هي الوحيدة، الرقائق الإلكترونية الدقيقة  التي تصنعها شركة TSMC (Taiwan Semiconductor Manufacturing Company).

الخلاصة.
رأي المحلل يعتمد في شطره على معطيات حقيقية، وشكر منه يعتمد على التوقع وعلى الاستشراف، وكما ذكرت في البداية، الهدف هو نشر الفكرة، أيًّ كانت صحتها أو منبعها، أيًّ كان صاحبها، فبادل الأفكار فلسفة يجب أن نتعوّد عليها، في عالم لن ينتظرننا حتى نتعوّد ببطء على الحديث والمناقشة.

رابط المقال الأول تجدونه في التعليق. 
تجدون في نفس الرابط كل مقالاتي أيضًا.

#عمادالدين_زناف.