سيمولاكر والنظام العالمي الأخير.
مقال عماد الدين زناف
هناك أشياء تحيّر الشباب وحتى الكبار، الدارسين أو الفضوليين.. يرون أن هناك مواضيع بلغت التكافؤ النسبي بين المستهزئين والرافضين لها، وبين المدافعين عنها والمتعصبين لوجودها.. فيقف أحدنا في الوسط، مقتنعًا بردود الطرفين، حذرًا من النيل لجهة على حساب أخرى لأنه لا يريد أن يعطي ظهره للحق -إذا كان في الطرف المقابل-، وهذا من ذكاء الفرد، فالذكي يبقى متفتحًا على نقيض فكرته إذا كان طرح الآخر محترمًا ومصوغًا. ومن المواضيع التي يمكنها أن تُسبب تجاذبات بين الفريقين، إضافة إلى الطرف الثالث الذي يُصنّف نفسه مراقبًا وباحثًا بينهما:
عُمر الأرض؟ 🌍.. تاريخ البشر 👶🏻؟.. الإنسان والفضاء والكواكب 🧑🏻🚀🌌؟.. تاريخ البلدان أو حضارة 📜؟.. الدجال؟.. الأبحاث العلمية 🧬؟.. النووي ☢️..
في خضم بحث هذا المُراقب، سينتهي به المطاف بأن يميل إلى طرف على حساب الآخر، وسيبقى متوقفًا في مواضيع أخرى، وربما قد يتعصب في محاولة تحطيم الأفكار المخالفة له، وفي الحالات الثلاث سلوكه طبيعي جدًا. إذ لا يمكن أن يواصل الفرد البحث حول كل شيء، إضافة إلى أنه غير متخصص -وبالتالي هو يعتمد على بحث الآخرين، أي يضع ثقته في شخص آخر فحسب- فسوف تغلب عليه عاطفة حب نظرية وتصور أكثر من الآخر لا محالة، وبالتالي سيبحث عن كل ما يدعم هذا الاختيار، ما يسمى الانحياز المعرفي.
لكن في كتابي هذا، سيمولاكر، أقترح على هذا الصنف الباحث والفضولي نظرة جديدة في قراءته لكل تلك الملفات، هذه القراءة يعتمدها قلة من البشر، وهم الأرستقراطيون الذين يُسيّرون شؤون البلدان والشركات والعالم. يطلق عليها الناس البراغماتية، والبعض منهم يسميها النفعية، والآخرون واقعية.. الاسم هنا لا يعنينا كثيرًا، وفي ظرفك أنتَ المواطن الفضولي، عليك أن تأخذ منهم شيئًا بالغًا في الأهمية يجعلهم يتجاوزون هذا "القلق الإنساني" عن طريق عملية "حسنًا.. لنفترض أن هذا هو الصحيح، الآن سنعمل بناءً على ذلك". أي أنهم يُدركون أن ما هو أهم من "الحقيقة" هو: ماذا لو كانت هذه الحقيقة حقيقة؟ كيف سنفعل؟ لنقم بذلك ولا مشكلة إذا أخطأنا. وبهذا ينطلقون في الفعل، غير آبهين بإمكانية أن هذه الفكرة أو النظرية غير صحيحة. لماذا؟ لأن معظم هذه المواضيع التي ذكرتها كمثال على سبيل الاختصار، لا يمكن: لا تغييرها، ولا تكذيبها بالكامل، ولا دحضها بالكامل، هي أشياء ثابتة يُناقشها البشر لكنهم لن يُقلعوها.
المجتمع الأرستقراطي في العالم يفهم السيمولاكر جيدًا، حتى إن لم يكن يعلم بوجود هذا المصطلح أساسًا، ولا بشرحه الفلسفي الذي يتناطح عليه الرؤوس الصُلع، لكنه يعمل على أساس أنه يفهم الزيف وسلطته على كل شيء، يفهم أن حقيقة الشيء لم تكن مهمةً يومًا، والآن وغدًا، ستصبح شيئًا ثانويًا بشكل لا يمكن تصوره. هؤلاء لا يعنيهم إن كان السلاح النووي حقيقة أم ترهيبًا زائفًا، إن كان الفضائيون حقيقة أم تبريرًا زائفًا، إن كان سيعيش الإنسان في المريخ فعلًا، إن كان المريخ يابسة أم كتلة مشتعلة بالطاقة.. إن كان الإنسان قد حط على سطح القمر أم حط في استوديو أمريكي.. كل هذه الأشياء تُصنّف عندهم على أنها حقيقة كنوع من "العقد الاجتماعي" في نسخته المطورة. هو عقد بين الأرستقراطيين في تجاوز البحث الساذج عن حقيقة وجود الشيء من عدمه، لأننا إذا قررنا بأنه موجود وعملنا على ذلك، فهو خطوة في صالح "التعايش".
وهكذا، ستذهب الفروقات تمامًا بين الحقيقة الحقيقية والحقيقة المزيفة، وسيختار البشر ما هي الحقيقة الملائمة وسيمشون على تلك الفكرة، كما كانوا يفعلون دائمًا منذ بداية الحضارات، وكما يفعلون الآن مع عديد المواضيع التاريخية والعرقية والثقافية، فالإنسان متكيف مع صناعة حقائق زائفة، وبالتكرار يصدقها.
ستعمل التكنولوجيا على إذابة الواقعين في واقع فائق حيادي، لا يستطيع أحد أن يتحقق منه ولا يعنيه ذلك ما دام التصديق به يخدم مصلحته ويرضي عاطفته. سيظل الإنسان شيئًا فشيئًا يقبل كل التناقضات وكل النظريات، وسيصدق كل شيء لأنه دأب على أن حقيقة وجوده لا تعني شيئًا مقابل الاعتقاد بذلك أم لا.
غدًا، ستكون الحقيقة أكثر شيء ثانوي، وعندما يكثر الدجالون، ويختلط على الناس بين السحر والذكاء الاصطناعي والمهارات الطبيعية.. لن يصبح الدجال فكرةً بعيدة التصديق، ولن يُحسن اختيار الجنة من النار في ظل زمن ماتت فيه كل المعاني.
الكتاب الآن متوفر في 58 ولاية
اطلب نسختك الآن مباشرة عبر الواتساب 0777892744
أو في فيسبوك ( مكتبة أدليس )
#عماد_الدين_زناف #الجزائر #سيمولاكر