الرّد العلميّ.. على ناكر أصل مازيغ الإفريقيّ
مقال عماد الدين زناف.
ملاحظة سريعة: من يرى أن هذه المواضيع لا تروقه وأن الناس قد صعدوا إلى القمر وأنكم مازلتم في الأرض، عليه أن يتجاوز هذا المقال الآن دون أن يُتعب نفسه، أو أن يضع لنا اختراعاته أو مؤلفاته في العلوم والفلسفة.
_
قرأت مقالة لأحدهم، لا أريد ذكر اسمه حتى لا تصبح القضية شخصيّة، معروف عنه التعصّب لقبيلته وعرقه – لا مشكلة في ذلك – إذ هو يتّفق معنا في كثيرٍ من الأشياء، على رأسها أن مازيغ هو ابن كنعان بن حام، وأن الفينيقيين من حام أيضًا، يعني بذلك أنهم ليسوا عربًا لأن العرب جميعهم من سام. وهو يقرّ بأن أمازيغ ومازيغ هو الاسم الصحيح لهذا القوم، وأنهم ليسوا عربًا قدماء، لا الأمازيغ ولا الفينيقيون، ونحن نقرّ له حبه لثقافته العربية وأن نسبه يعود إلى أعرق هذه القبائل، ونضيف على ذلك أننا نحبهم، وأن كل العرب أهل جود وكرم إلا من شذّ، كما لا نقرّ في الآن ذاته أي نبرة تعالٍ من أي طرف على الآخر باسم العرق، إذ يقول المصطفى إنه لا فضل بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى.
موضوع هذه المقالة هو مناقشة الطرح "الذي سمّاه علميًا" وقد جاء ليتحدّى به الأمازيغ - على حد تعبيره -، وهو أن ينكروا "الحقيقة العلمية" أنهم جاءوا من فلسطين مع شخص يدعى إفريقش إلى شمال إفريقيا مع قبائلَ يمنيّة، وهم بذلك ليسوا أفارقةً أصليين.
رغم التقدّم الكبير في موضوع أصل الأمازيغ والفينيقيين، إذ قطعنا شوطًا كبيرًا نحو القول العلميّ بهذا الخصوص، مع تحرير واضح لمحلّ النزاع الحقيقيّ، واقترابنا من نقاط التوافق التي تجعلنا نعيش بذكاء تحت قبّة الوطن الواحد والإسلام الموحّد، إلا أن الرواسب القديمة لا تزال عصيّة على الاقتلاع عندَ هؤلاء، فهم يرونَ أن شمال إفريقيا لا يمكنها – ولا يجب – أن تكون مهدًا لشعب قائم بذاته، حتى لو أقرّوا أنهم ليسوا منه نسبًا، لأن هذه الحقيقة العلميّة تجعلهم يظنون أنهم ضيوف عليها، فيشعرون بشيء من النقص، والحقيقة التي نطبق نحن وهم عليها أن كل بني آدم ضيوف في هذه الأرض، في القارات الخمس التي نعلمها.
وللرد على هذه النكت اللطيفة التي جاء بها، عليّ أن آخذ من نصه أسطرًا لأناقش ما جاء فيها بشفافية.
يقول (ستكونون أمام حقيقة علمية كبيرة، وهي أن أصلكم من فلسطين، وهذا ينسف مقولة السكان (الأصليين لشمالي أفريقيا) فكيف يكون جدكم كنعان من أصول فلسطينية، ويكون ابنه مازيغ من أصول أفريقية؟).
الإجابة: في مقالك ادّعيتَ أنك ستتكلّم بعلمٍ، لذلك سألزمك بما ألزمت به نفسك، أين هو الدليل الأركيولوجيّ الحسّي، أو من القرآن والسنة، الذي يثبت أن كنعان قد وُلدَ وكبر في فلسطين أصلًا؟ أو أن حام قد وُلد في آسيا أصلًا، أو أن سيدنا نوح عليه السلام قد وُلد في آسيا أصلًا، وأكثر من ذلك، أين الدليل أن سيدنا آدم قد نزل في آسيا (الهند كما يُشاع)؟
الآن نحن أمام مُعضلة، أنت تبني نظريّة علميّة من لا شيء وتجعلها حجّة في الحوار، من قال لك إننا نُسلّم أصلًا على نظريّتك الأولى حتى تجعلها سلطة معرفية؟
بل إننا نقول كما يقول علماء الأرض جميعًا إن انبثاق البشرية جمعاء انطلق من إفريقيا، فصل من شمال إفريقيا وفصل من جنوب شرق إفريقيا، وهنا ستجد التفاصيل حول هذا https://www.facebook.com/share/p/1LV29WvcKu
والأصول شمال إفريقيّة من هنا https://www.facebook.com/share/p/1EFk8YR9M6
وقبل أن تقفز وتقول إنني مع نظرية وجود إنسان قبل آدم، لا، أنا لا أؤمن بهذا، بل أدرج كل ما قيل علميًا مع الدين وأقول إن آدم وباقي البشر انطلقوا من قارة إفريقيا، ومنهم كذلك سيدنا نوح وذريته، تقول لي ما دليلك؟ أقول لك الدليل ما قدمه العلماء من أبحاث، المطالب بالأدلة البديلة هو أنت.
لذلك، بما أنه لا يُعرف مكان ولادة كنعان بن حام، وبما أننا نعرف أن أصل البشرية من إفريقيا، إذاً المرجّح أنه من إفريقيا ورحل إلى فلسطين وسكن بها.
تريد أدلة أخرى؟ حام ولد مصرايم وكوش، الحضارة المصرية والنوبية، أليسا أقدم نظام ملكي فوق الأرض وهم من إفريقيا؟
انتظر لحظة، أليست نقوش طاسيلي ناجر في صحراء الجزائر شاهدة على وجود بشريّ قبل أكثر من عشرة آلاف سنة قبل الميلاد؟ لا بل سأعود بك لأكثر من ذلك، ألم تثبت الأبحاث أن الثقافة العاترية والقبصية والوهرانية سبقت كل هؤلاء، التي قد تعود إلى أكثر من مئة ألف سنة قبل الميلاد..
أم أنك لا تصدق بالعلم وتُصدّق بما قاله الهمداني في سطرين عن إفريقش هذا دون أي دليل، في كتابه الإكليل؟
هل تعلم أن الهمداني صدّر فقرته "بيقال والله أعلم".. أم أنك لم تكن تعلم؟ (إذ يتّبعون إلا الظن)!
الدليل https://www.facebook.com/photo/?fbid=1296220189171869&set=pcb.1296220385838516
ثم تقول (فإذا كنتم من أصول أفريقية فهذا يعني أنكم لستم من مازيغ بن كنعان الذي أصوله فلسطينية، وعليه فإذا قلتم إنكم لستم أبناء مازيغ بن كنعان الفلسطيني، فإنكم ستخسرون الدليل التاريخي الوحيد الذي يجعل جدكم مازيغ مذكورًا منذ قرون، وبذلك تسقطون في مقولة (الأمازيغية جديدة وظهرت منذ قرنين))،
الإجابة: أوّلًا أصِّل ما "إفريقيا"؟ إذا كنت تقصد بها أنهم السود حصرا فأنت واهم ولا تعرف أصول المصطلحات والأسماء.
أولًا إفريقيـّة كان يُقصد بها شمال شرق القارة فقط، أي غرب ليبيا وتونس وشرق الجزائر، وبدأت التسمية مع الرومان، وأصل الكلمة باتفاق علماء اللسانيات هو من "إفري" أي الكهف، ومنها "آث إفرن" التلمسانيين، أو "أفرو" آلهة النوميد القدماء.
وأظنّك تعلم أيضًا أن الاسم الحقيقي للقارة هو "ليبيا" وليس "إفريقيا"، لأنها نسبة حديثة جدًا في اشتمالها لكل القارة.
ثم تعال، لأنك احتججت بابن حزم وجعلته مصدرًا معتبرًا، أليس هو الذي قال، في كتابه جمهرة أنساب العرب، الصفحة 495، "أن البربر من حام، وأنه قد ادّعى طائفة منهم أنهم من حمير، وكل ذلك باطل لا شك فيه، ولا كان لحمير طريق إلى بلاد البربر إلا في تكاذيب مؤرخي اليمن" (الذين تجعلهم حجة علمية!!)
المصدر: https://www.facebook.com/photo/?fbid=1286025780191310&set=pcb.1286026150191273
بهذا تسقط حجتك أننا من فلسطين أو من اليمن، دون إقامة أي اعتبار لمن سميته إفريقش لأننا نتكلم هنا عن شخصية وهمية نترفّع عن الإطالة فيها.
قولك (قلتم كما نقول نحن أن الأمازيغية قديمة وهي نسبة إلى مازيغ بن كنعان، فيجب أن تعترفوا بأن أصولكم كنعانية من فلسطين، وأنكم انتقلتم إلى أفريقيا ولستم أول من سكنها).
الإجابة: علميًا، حدث العكس، انتقل الأفارقة إلى آسيا، وأن ابن حزم ينفي الرحلة العكسية من آسيا إلى إفريقيا، كما سلف الذكر. انتهى.
تقول (يجب أن تعترفوا بأنّكم أنتم والفينيقيين لستم من الحميريين العرب القحطانيين الذين جاؤوا مع أفريقش من اليمن، وأنكم من الفلسطينيين الذين حين وصل أفريقش إلى بلاد الشام وجدهم منكسرين بعد أن هزمهم يوشع بن نون عليه السلام، وهو خليفة موسى الذي دخل ببني إسرائيل أريحا وفلسطين وطرد الكنعانيين. وكلام ابن خلدون وابن حزم واضح في هذا، قال ابن خلدون في العبر: (قال ابن حزم هو أفريقش بن قيس بن صيفي أخو الحارث الرائش، وهو الّذي ذهب بقبائل العرب إلى إفريقية، وبه سميت. وساق البربر إليها من أرض كنعان، مرّ بها عندما غلبهم يوشع وقتلهم، فاحتمل الفلّ منهم، وساقهم إلى إفريقية).
الإجابة: لا يجب على من يدّعي الكلام بعلم أن يبتر النصوص وهو يعلم أن المؤرخين والنسابة يسوقون ما قيل ثم إما يعمدون إلى إثباته أو نفيه، وفي هذه الحالة، أنت وأنا أصبحنا نعلم أن ابن حزم ساق هذا الخبر ثم كذّبه، كذلك فعل ابن خلدون، الذي قال إن كل هذا عبارة عن أخبار واهية من الأساطير، فلمَ أخفيتَ هذا وتركت الجزء الذي يوهم أنه هو صلب كلامهم؟
وإليك الدليل:
ابن حزم https://www.facebook.com/photo/?fbid=1296220232505198&set=pcb.1296220385838516
نفي ابن خلدون لهذه الأساطير:
https://www.facebook.com/photo/?fbid=1296220262505195&set=pcb.1296220385838516
وهنا https://www.facebook.com/photo/?fbid=1296220315838523&set=pcb.1296220385838516
وهنا https://www.facebook.com/photo/?fbid=1296220345838520&set=pcb.1296220385838516
وأخيرًا تقول:
(وعليه، فالذين دخلوا مع أفريقش عرقان: عرق عربي خرج مع أفريقش من اليمن وهو من حمير. وعرق كنعاني من كنعان جد الفينيقيين والمازيغ، وجدهم أفريقش في الشام في طريقه إلى أفريقيا، وقد خسروا الحرب مع يوشع بن نون، وفيه دليل أن الشعب الفينيقي المازيغي دخل أفريقيا مع أفريقش في زمن يوشع ويوشع كان مع موسى عليه السلام ثم خلفه، وهو موجود 1300 سنة تقريبًا قبل الميلاد.. فإذا سلّمتم لنا بهذا، ولا يمكنكم إلا أن تسلّموا، فهذا يعني وبعيدًا عن الخرافات، أنّ دخولكم إلى أفريقيا كان مع أفريقش العربي، وبالتالي تسقط عبارة (السكان الأصليين) لأنكم دخلتم مع أفريقش وقبائل اليمن في زمن واحد.. وعليه، فمن دخل مع أفريقش من السكان الأوائل في أفريقيا هم: قبائل حمير اليمنية العربية. وقبائل كنعان التي تفرعت إلى فرعين، فرع مازيغي وفرع فينيقي.. إنّ هذه المعطيات العلمية تعيد تركيب الصورة بطريقة مغايرة..)
أولًا لا نسلّم لك بأن إفريقش شخصية حقيقية دون دليل أركيولوجي علمي ساحق ماحق، لذلك فنحن نردّه بضربة واحدة، كما نفى ابن حزم أي رحلة حميرية إلى شمال إفريقيا.
لذلك ما جئت به بعد هذا لا نسلّم به تمامًا بل ونضحك عليه حدّ القهقهة في بعض الأحيان.
أما قولك إن كنعان تفرّق منه بنو مازيغ والفينيقيين فلا إشكال عندنا، وكلاهما من قارة إفريقيا الأم، ونعتقد أن رحلات الإنسان الإفريقي كانت قديمة كفاية ليستقر بآسيا وتصبح له مسكنًا ومنبعًا لحضارة مستقلة عن أمه، هذا كما يقول العلم، حتى إذا لم يثبت أصلًا وجود شخص اسمه كنعان سوى في العهد القديم الذي لا أدري إن كنت تُصدّق بما فيه أو تكفر به..
لكننا لا نعسّر عليكم الأمر..
وقولك إنها معطيات علمية في آخر كلامك يجعلنا نفكّر مليًا في ماهية العلم عندكم؟
لست أنكر أن المصدر النقلي من مصادر المعرفة الثلاثة بعد المصدر الحسي والعقلي، لكن المصدر النقلي إذا لم يكن خبرًا صادقًا كما اتفق عليه المسلمون مثل (القرآن والسنة) يصبح في صنف الرواية والقصة..
ما الفرق بين قصة إفريقش والإلياذة والأوديسة؟
لربما تؤمنون بزيوس أيضًا؟
وفي الأخير، السلام عليكم.
#عمادالدين_زناف #الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق