التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عودة الرومان



ما هو الشيء الذي جعل الرومان يعمّرون، إذ يعتبرون أطول حضارة في الحوض المتوسط، أول وآخر من أخضع كل بلدان المتوسط وأبعد من ذلك، وهي أكثرها تأثيرا حول العالم ..إذ أن القصة قد بدأت منذ ولادتهم في القرن الثامن قبل الميلاد إلى عشية سقوط القسطنطينية في القرن الخامس عشر، أي أكثر من 2000 سنة..
مع بقاء تأثير اللاتينية وأحرفها وعديد القوانين والنُظُم والحسابات إلى يومنا هذا..؟!

الجواب هو: الإصرار على العودة. 

كيف ذلك؟ - كان عند الرومان شيء أساسي توارثوه جيلا بعد جيل، وهو العودة بعد الهزيمة بشكل مستمر. تعرّض الرومان لعديد الهزائم عبر التاريخ، منها من كانت مذلّة حقًا، أبرزها معاركهم مع حنبعل، رغم ذلك، عادوا  وانتصروا وقد كانوا الحلقة الأضعف.

كل شيء بدأ عندما كان أجداد الرومان في معارك مستمرة مع شعب Samnium أو السامنيت، وهو شعب إيطاليقي قديم (الأصلي)، الذي كان منتشرا في جنوب إيطاليا، في الجبال والأرياف، وقد كانوا يتكلمون اللغة الأسكانية.. فقد كان الرومان ينهزمون في معارك عديدة منهم لكنهم دائما ما يعودون للمعركة بعد فترة، أي أنهم لم يستسلموا أبدًا، وعندم انهزم السامنيت نهائيا، كان هؤلاء الرومان قد تكوّنوا تكوينا قاسيا على عدم الاستسلام وتكرار المحاولات رغم الهزائم ورغم قوة الخصم.

وكما ذكرت، أكثر شخصية أذلّت روما كان حنبعل، هزمهم في أربعة معارك، الرابعة كانت في عقر ديارهم، ومع ذلك، انزهم في نهاية  المطاف لأنه لم يدرس شخصية الرومانيين ولم يرد الإصغاء للنوميدي مهربعل الذي نصحه باقتحام روما ومحوها، بكل بساطة.. معتقدا أن روما ستجنح إلى الهدنة، الشيء الذي لم تقم به، فانهزم منهم في الحرب البونيقية الثانية، وذلك عندما هادنوا نوميديا واستعانوا بها، ثم نُفي إلى صُورْ في بلاد الفينيقيين. 

بعد فتح القسطنطينية، وسقوط روما شيئا فشيء، نستطيع القول أن الذي حدث هو موت أنثى العنكبوت وهي حامل، فأفرخت عشرات البلدان الرومانية قبل موتها، أي البلدان اللاتينية: فرنسا ايطاليا إسبانيا البرتغال وبروسيا (الرومانية المقدسة)، والذين بدورهم صنعوا أمريكا، فهم الذين سيطروا على القارات الخمس بعد ذلك بقرون، أما الانتقام الثقافي لروما على العثمانيين (القسطنطينية x اسطمبول) حدث عندما غيّر أتاتورك العربية  في تركيا إلى الأحرف اللاتينية الرومانية. 

عليك أن تصرّ على العودة لأن الفائز هو الذي لا ينسحب أبدا، وليس الأكثر قوة.

#عمادالدين_زناف


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ابن بطوطة.. الذي لم يغادر غرفته

ابن بطوطة، الرّحالة الذي لم يغادر غرفته. مقال عماد الدين زناف. ليسَ هذا أول مقال يتناول زيفَ الكثير من أعمالِ المؤرخين القدامى، الذين كانوا يكتبون للسلاطين من أجل التقرّب منهم، ومن ذلك السعيُ للتكسّب، ولن يكون الأخير من نوعه. الكتب التاريخية، وأخص بالذكر كتب الرّحالة، هي عبارة عن شيءٍ من التاريخ الذي يضع صاحبها في سكّة المصداقية أمام القارىء، ممزوجِ بكثيرٍ من الروايات الفانتازيّة، التي تميّزه عن غيره من الرحالة والمؤرخين. فإذا اتخذَ أحدنا نفس السبيل الجغرافي، فلن يرى إلا ما رآه الآخرون، بذلك، لن يكون لكتاباته أيّ داعٍ، لأن ما من مؤرخ ورحّالة، إلا وسُبقَ في التأريخ والتدوين، أما التميّز، فيكون إما بالتحليل النفسي والاجتماعي والفلسفي، أو بابتداع ما لا يمكن نفيُهُ، إذ أن الشاهد الوحيد عن ذلك هو القاصّ نفسه، وفي ذلك الزمن، كان هناك نوعين من المتلقين، أذن وعين تصدق كل ما تسمع وتقرأ، وأذن وعين لا تلتفت إلا لما يوافق معتقدها أو عقلها.  الهدف من هذا المقال ليس ضربُ شخص ابن بطوطة، لأن الشخص في نهاية المطاف ما هو إلا وسيلة تحمل المادة التي نتدارسها، فقد يتبرّأ ابن طوطة من كل ما قيل أنه قد كتبه، ...

مذكرة الموت Death Note

إذا كُنت من محبّي المانجا و الأنيم، من المؤكد أنه لم تفتك مشاهدة هذه التُّحفة المليئة بالرسائل المشفّرة. هذا المسلسل اعتمد على عدّة ثقافات و إيديولوجيات و ارتكز بشكل ظاهريّ على الديكور المسيحي، في بعض اللقطات و المعتقدات. المقال الـ104 للكاتب Imed eddine zenaf / عماد الدين زناف  _ الرواية في الأنيم مُقسّمة الى 37 حلقة، الشخصيات فيها محدّدة و غير مخفية. تبدأ القصة بسقوط كتاب من السّماء في ساحة الثانوية موسوم عليه «مذكرة الموت» ،حيث  لمحه شاب ذكيّ يُدعى ياغامي رايتو، و راح يتصفحه، احتفظ به، رغم أنه أخذها على أساس مزحة ليس الّا، و بعد مدّة قصيرة اكتشف ان المذكرة "سحريّة"، يمكنه من خلالها الحكم على ايّ كان بالموت بعد اربعين ثانية من كتابة اسمه و طريقة موته بالتفصيل. لم تسقط المذكرة عبثاً، بل اسقطته شخصية تُسمى ريوك، من العالم الآخر، وكانت حجة ريوك هي: الملل والرغبة في اللعب. كلُ من يستعمل مذكرة الموت يطلق عليه اسم " كيرا".  بعدها تسارعت الأحداث بعدما أصبح "كيرا" يكثّف من الضحايا بإسم العدل و الحق، فقد كان منطلقه نبيلاً: نشر العدل و القضاء على الجريمة في الأرض....

أخلاق العبيد، نيتشه والمغرب الأقصى

مفهوم أخلاق العبيد عند نيشته، المغرب الأقصى مثالا. مقال عماد الدين زناف. فريدريش نيتشه، حين صاغ مفهومه عن «أخلاق العبيد» في مُعظم كتبه، لم يكن يتحدث عن العبودية الملموسة بالمعنى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو بمعنى تجارة الرّق. بل تحدّث عن أسلوب في التفكير نِتاجَ حِقدٍ دفين وخضوع داخلي يولد مع الأفراد والجماعة. إذ بيّن أن الضعفاء، العاجزين عن تأكيد قوتهم، اخترعوا أخلاقًا تُدين الأقوياء، فرفعوا من شأن التواضع والطاعة فوق ما تحتمله، حتى أنها كسرت حدود الذل والهوان. ومن هذا المنطلق يمكن رسم موازاة مع خضوع شعب المغرب الأقصى لنظام المخزن. إذ أنها سلطة شكّلت لعقود علاقة هرمية تكاد تكون مقدسة بين الحاكمين والمحكومين. وما يلفت النظر هو أنّ هذا الخضوع لم يُقبل فقط بدافع الخوف والريبة، بل تَمَّ استبطانه كفضيلة بل وعمل أخلاقيًا. فالطاعة أصبحت عندهم حكمة، والعبودية وَلاءً، والاعتماد على الغير، أيًّ كانت مساعيه في دولتهم عبارة عن صورة من صور الاستقرار. نيتشه قال «نعم للحياة»، لكنها استُبدلت بـ«لا» مقنّعة، إذ جرى تحويل العجز التام على تغيير الظروف إلى قيمة، وتحويل الذل إلى فضيلة الصبر، وعندما عبّر قائلا...